(أَفَأَصْفاكُمْ) خطاب للذين قالوا الملائكة بنات الله والهمزة للإنكار. يعنى: أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيبًا لنفسه، واتخذ أدونهم وهي البنات؟ وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردأها وأدونها للسادات (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا) بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم أدون خلق الله وهم الإناث.
[(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا)].
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ) يجوز أن يريد (هذَا الْقُرْآنِ) إبطال إضافتهم إلى الله البنات، لأنه مما صرفه وكرّر ذكره، والمعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه، يعنى هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم. وقرئ: (صَرَّفْنا) بالتخفيف وكذلك (لِيَذَّكَّرُوا) قرئ مشدّدا ومخففًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يريد بـ (هَذَا الْقُرْآنُ) إبطال إضافتهم إلى الله البنات)، وهو من باب إطلاق الحال على المحل؛ لأنه تعالى لما كرر هذا الإبطال في هذا القرآن الكريم، سُمي الإبطال باسم القرآن لهذه الملابسة، أو أوقعنا التصريف فيه وجعلنا مكاناً للتكرير، يريد أنه من باب: يجرح في عراقيبها نصلي. والأول أبلغ لأنه جعل المعنى ظرفاً والقرآن مظروفاً، نحو قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ).
قوله: ((لِيَذَّكَّرُوا)، قرئ مخففاً ومشدداً): حمزة والكسائي: مخففاً بإسكان الذال وضم الكاف، والباقون: بفتحهما مشدداً، فالمعنى على التشديد: التدبر، كقوله تعالى: (كِتَابٌ


الصفحة التالية
Icon