ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق. فإن قلت: من فيهنّ يسبحون على الحقيقة وهم الملائكة والثقلان، وقد عطفوا على السموات والأرض، فما وجهه؟ قلت: التسبيح المجازى حاصل في الجميع فوجب الحمل عليه، وإلا كانت الكلمة الواحدة في حالةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك، ولا يعاجلهم بالعقوبة، وإليه أشار بقوله: (إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) حين لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم وجهلكم بالتسبيح وشرككم. ويؤيده قوله تعالى: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان: ٦].
قال المصنف رحمه الله تعالى: "نبه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه، أن يُصب عليهم العذاب صباً، ولكن صرف ذلك عنهم: "أنه غفور رحيم" يُمهلُ ولا يعاجل".
قوله: (التسبيح المجازي حاصلٌ في الجميع، فوجب الحمل عليه). الانتصاف: تقدم منه منعُ هذا عند سجدة النحل، لكن ذكر هناك أنه يشملها الانقياد بطريق التواطؤ، وههنا جعله مجازا، ومن الجائز أنه أراد ثمة التواطؤ مع المجاز، وكما يتفق التواطؤ مع الحقيقة، فقد يتفق مع المجاز.
الراغب: هذه الآية، وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [الرعد: ١٥]، (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) [النحل: ٤٩] يقتضي أن يكون تسبيحاً على الحقيقة، وسُجوداً له على وجه لا يفقه، بدلالة قوله: (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ)، ودلالة قوله: (وَمَنْ فِيهِنَّ) بعد ذكر السماوات والأرض، ولايصح أن يكون تقديره يسبح له من في السماوات ويسجد له من في الأرض؛ لأن هذا مما نفقهه، ولأنه مُحال أن يكون ذلك تقديره، ثم يعطفُ عليه بقوله: (وَمَنْ فِيهِنَّ) والأشياء كلها تسبح له، ويسجد بعضها بالتسخير، وبعضها بالاختيار، ولا خلاف أن السماوات والأرض والدواب مسبحاتٌ بالتسخير من حيث إن أحوالها تدل على حكمة الله تعالى، وإنما الخلاف في السماوات والأرض: هل تُسبح بالاختيار؟ والآية تقتضي ذلك بما ذكرت، والله أعلم.