حال. والمعنى: أن يخسف جانب البر، أى يقلبه وأنتم عليه. فإن قلت. فما معنى ذكر الجانب؟ قلت: معناه أنّ الجوانب والجهات كلها في قدرته سواء، وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة، ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك، بل إن كان الغرق في جانب البحر، ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف، لأنه تغييب تحت التراب كما أنّ الغرق تغييب تحت الماء، فالبرّ والبحر عنده سيان يقدر في البر على نحو ما يقدر عليه في البحر، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) وهي الريح التي تحصب أي ترمى بالحصباء، يعني: أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف، أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها، فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر (وَكِيلًا) من يتوكل بصرف ذلك عنكم (أَمْ أَمِنْتُمْ) أن يقوّى دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما معنى ذكر الجانب؟ ). دلت الفاء في السؤال على السببية، يعني: ذكرت أن (جَانِبَ الْبَرِّ): مفعولٌ به، كـ (الأَرْضِ) في قوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ) [القصص: ٨١]، فما معنى زيادة الجانب في هذه الآية؟ وأجاب عنه: أن الزيادة دلت على أن الكلام في هذا المقام في الجانب، وأن جانبي البر والبحر سيان تحت قهره وسلطانه سبحانه وتعالى، وذلك أنهم قطعوا أن الهلاك مختص بجانب البحر، وأن جانب البر مكان المن ومنزلُ الرفاهية ومهبط البطر والأشر، دل على ذلك فِعلُهم: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت: ٦٥].
قوله: (أن يُقوي دواعيكم ويوفر حوائجكم)، إعلام بأن "أمْ" في قوله: (أَمْ أَمِنتُمْ) منقطعة، والهمزة فيها للإنكار والتوبيخ، ويؤيده تقديره "نجوتُم" بعد الهمزة، وعطفُ (أَمِنتُمْ) عليه في القرينة الأولى، يعني: هبوا أنكم تخلصتم من الغرق في البحر، فكيف تتخلصون من الخسف في البر؟ ثم أضرب عنه، أي: دعوا الخسف، بل كيف تأمنون أن الله يقوي دواعيكم فتورث البخل الخالع والحرص الهالع، فتعودون إلى ما نجوتم منه فيغرقكم به. وفي تذييل كل من الآيتين معنى الترقي؛ ذُيلت الأولى بقوله: (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ