إخراجه بقليل. وقيل: معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم. ولم يخرجوه، بل هاجر بأمر ربه. وقيل: من أرض العرب. وقيل: من أرض المدينة، وذلك أن رسول الله ﷺ لما هاجر حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم، فاجتمعوا إليه وقالوا: يا أبا القاسم، إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام وهي بلاد مقدّسة وكانت مهاجر إبراهيم، فلو خرجت إلى الشام لآمنا بك واتبعناك، وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم، فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم، فعسكر رسول الله ﷺ على أميال من المدينة وقيل بذي الحليفة، حتى يجتمع إليه أصحابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من التأويل بحسب تفسير الأرض، فإذا فُسرت بأرض مكة فالتأويل على وجهين: أحدهما: أن (قَلِيلاً): صفة موصوفٍ محذوف، فقد حصل الإخراج وعدم لُبثهم وهلاكهم بعد حقيقة، وهو المراد من قوله: "فقد أهلكوا ببدرٍ بعد إخراجه بقليل"، وأن (قَلِيلاً) يعني العدم، كقوله تعالى: (قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ) [الحاقة: ٤١] وإليه الإشارة بقوله: "لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم"، لكن لم يحصل الإخراج على الحقيقة، ولذلك لم يحصل هذا الاستئصال، وإذا فُسرت بأرض العرض فلم يحصل هذا الإخراج لا حقيقة ولا مجازاً، فلم يحصل الاستئصال أيضاً، وإذا فُسرت بأرض المدينة يعود معنى القليل على التقديرين.
قوله: (لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم)، قال الميداني: أصلُ المثل: "جاءوا على بكرة أبيهم"، قال أبو عبيد: أي: جاءوا جميعاً لم يتخلف منهم أحدٌ، وليس هناك بكرةٌ في الحقيقة، والبكرة تأنيث البكر، وهو الفتى من الإبل، وقيل: البكرة هاهنا: التي يُستقى عليها، أي: جاءوا بعضهم على أثر بعض كدوران البكرة على نسق واحد لم ينقطع. والبكرة إذا كانت لأبيهم اجتمعوا عليها مستقين لا يمنعهم عنها أحدٌ، فشبه اجتماع القوم في المجيء باجتماع أولئك على بكرة أبيهم.