وجاز الابتداء بالنكرة، لأن إصلاحًا والإصلاحَ بمعنى واحد، إذ ليس يدل واحد منهما على إصلاح بعينه، لأن المراد به الجنس، فالنكرة والمعرفة هنا سيّان، فاعرفه.
فإن قلتَ: هل يجوز أن يتعلق ﴿لَهُمْ﴾ بـ ﴿خَيْرٌ﴾ كما زعم بعضهم؟ قلت: لا؛ لأن معمول أَفْعَلَ وما كان في معناه لا يتقدم عليه (١).
فإن قلتَ: هل يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال، لتقدمه على الموصوف وهو ﴿خَيْرٌ﴾، كما زعم بعضهم (٢)؟ قلت: لا؛ لأن خيرًا هنا بمعنى أخير، وليس بمنزلة قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ (٣) على أحد التأولين، فيكون كما زعم.
فإن قلت: على ماذا يرتفع ﴿خَيْرٌ﴾ على قراءة من قرأ: (قل أَصْلِحْ لهم) على الأمر؟ قلت: على خبر مبتدأ محذوف، أي: فذلك خير، أي: فالإصلاح خير، دل عليه هذا الفعل.
وقوله: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي: وإن تخالطوهم، وتعاشروهم، ولم تجانبوهم فهم إخوانكم. والجملة في موضع الجزم بجواب الشرط. وأجيز نصب (إِخْوَانُكُمْ) بفعل دل عليه هذا الظاهر، أي: فخالطتم إخوانكم (٤).
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾: أي: لا يخفى عليه مَن داخَلَهُمْ بإفساد وإصلاح، فيجازيه على حسب مداخلته. والألف واللام في المفسد والمصلح للجنس لا للتعريف؛ لأنهما شائعان، كالتي في قولك: أهلك
(٢) هو أبو البقاء كما في التبيان ١/ ١٧٧.
(٣) سورة النمل، الآية: ٨٩.
(٤) كذا أيضًا أجازه الزجاج ١/ ٢٩٤، والنحاس ١/ ٢٦٢. وهذا الجواز في غير القرآن لأنه لم تثبت به رواية صحيحة.