وقوله: ﴿عُلُوًّا﴾ منصوب على المصدر، و ﴿كَبِيرًا﴾ صفته، وهو في معنى: تعاليًا، لأنه مصدر قوله: (تعالى)، وهو في الأصل مصدر عَلَا عُلُوًّا، ولكنه وضع موضع تعاليًا لكونهما بمعنى، كما وَضَعَ ﴿تَنْزِيلًا﴾ موضع (إنزالًا) من قرأ: (وأنزل الملائكة تنزيلًا) (١) وهو جائز مستعمل في كلام القوم، وكفاك دليلًا قوله جل ذكره: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (٢)، ولم يقل تَبَتُّلًا.
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿تُسَبِّحُ﴾ قرئ: بالتاء النقط من فوقه (٣) لتأنيث لفظ السموات، تعضده قراءة من قرأ: (سَبَّحتْ)، وهو عبد الله (٤).
وبالياء النقط من تحته (٥)، لأن التأنيث غير حقيقي، أو للفصل، وهو ﴿لَهُ﴾.
﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ فيه أوجه:
أحدها: أنه في معنى ساتر (٦)، والمفعول قد يأتي بمعنى الفاعل،
(٢) سورة المزمل، الآية: ٨.
(٣) قرأها البصريان، والكوفيون غير أبي بكر كما سوف أخرج.
(٤) ابن مسعود - رضي الله عنه -، وانظر قراءته في معاني الفراء ٢/ ١٢٤. وحجة الفارسي ٥/ ١٠٧. وحجة ابن خالويه / ٢١٨/. وكشف مكي ٢/ ٤٨.
(٥) قرأها المدنيان، والابنان، وأبو بكر، ورواية عن يعقوب. انظر مصادر قراءة (كما يقولون) و (عما يقولون) فقد ذكروا ثلاثة الحروف في موضع واحد.
(٦) هذا قول الأخفش ٢/ ٤٢٤. وحكاه عنه الطبري ١٥/ ٩٣. والنحاس في الإعراب ٢/ ٢٤٣.