والثاني: أنه بمعنى فاعل، أي: ساحرًا، كقوله: ﴿مَأْتِيًّا﴾ أي: آتيا (١).
وقيل هو من السَّحْرِ، أي: له سَحْرٌ يأكل ويشرب كسائر الناس، أي: هو بشر مثلكم، والسَّحْرُ: الرئةُ (٢).
﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا﴾ (إذا) مضمر دل عليه (مبعوثون)، أي: أنُبْعَثُ إذا كنا؟ ولا يجوز أن يكون ناصبه (مبعوثون) لأن ما بعد (إِنَّ) لا يعمل فيما قبله (٣).
و﴿وَرُفَاتًا﴾ أي: باليًا، من رَفَتُّ الشيءَ، إذا كسرتَه بيدك، كالمَدَر والعظم البالي، وكل ما كان من هذا النحو فهو مبني على فُعَال كالحُطَامِ والفُتَاتِ، عن أبي إسحاق (٤).
و﴿خَلْقًا﴾: منصوب على المصدر، إما في معنى بعثًا، أو لأن (مبعوثون) في معنى: (مخلوقون)، ولك أن تجعل ﴿خَلْقًا﴾ بمعنى مفعول كضَرْب الأمير، وصَيْد الصائد. فيكون حالًا، و ﴿جَدِيدًا﴾: صفة له وبه تحصل الفائدة، وهو بمعنى مفعول، أي: مجدود، والله أعلم.
﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (٥١)﴾:

(١) من الآية (٦١) من سورة مريم. وحكى الألوسي ١٥/ ٩٠ هذا القول عن بعضهم.
(٢) هذا قول أبي عبيدة ١/ ٣٨١. ولم يستبعده الإمام الطبري ١٥/ ٩٦. لكن قال النحاس في المعاني ٤/ ١٦١: القول الأول أنسب بالمعنى، وأعرف في كلام العرب.
(٣) كذا في الجميع. والوجه أن يكون: فيما قبلها. أي قبل (إن).
(٤) معانيه ٣/ ٢٤٤.


الصفحة التالية
Icon