فضلته عليّ، لِمَ كرمته عليّ وفضلته وأنا خير منه، لكونك خلقتني من نار وخلقته من طين؟ فحذف جميع ذلك، لأن في الكلام دليلًا عليه.
ثم ابتدأ فقال: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ...﴾ الآية، واللام موطئة للقسم المحذوف، والجواب ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ﴾، أي: لإن أخرت موتي وأبقيتني إلى يوم القيامة، واللهِ لأستأصلن ذريته إلا قليلًا منهم، أي: لأهلكنهم بالإِغواء، من احتنك الجراد الزرع، إذا استأصله كله. وقيل: هو من حَنَكَ دَابَّتَهُ، إذا شد حبلًا في حنكها الأسفل يقودها به، على: لأقتادنهم كيف شئت (١).
و﴿قَلِيلًا﴾: نصب على الاستثناء. وهم الذين عصمهم الله واصطفاهم لدينه: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (٢).
﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ﴾ أي: جزاؤهم وجزاؤك، ثم غلّب المخاطب على الغائب.
وقوله: ﴿جَزَاءً﴾ منصوب على المصدر بما في ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ﴾ من معنى تجزون، أو بإضمار تجزون، وقد جوز أن يكون منصوبًا على الحال لكونه موصوفًا بالموفور، والموفور: المُوَفَّرُ، أي: مُتَمَّمًا مُكَمَّلًا، يقال: وَفَرْتُ الشيء وَوَفَّرْتُهُ أفِرُهُ، إذا كملته وفرًا فهو موفور، ووَفَرَ الشيءُ بنفسه وُفُورًا، إذا تَمَّ، يتعدى ولا يتعدى، ولهذا قال بعضهم: موفورًا بمعنى وافر (٣)، كقوله: ﴿مَأْتِيًّا﴾ (٤) أي: آتيًا. وقيل: منصوب على التمييز،
(٢) سورة الحجر، الآية: ٤٢.
(٣) هذا قول مجاهد كما أخرجه الطبري ١٥/ ١١٧.
(٤) سورة مريم، الآية: ٦١.