فاعرفه فإنه موضع مشكل. ومعنى ﴿إِذْ جَاءَهُمْ﴾: إذ جاء آباءهم (١).
وقوله: ﴿مَسْحُورًا﴾ فيه وجهان - أحدهما: على بابه، أي: سُحِرْتَ حتى زال عقلك. والثاني: بمعنى فاعل، أي: إني لأظنك ساحرًا، كقوله: ﴿مَأْتِيًّا﴾ (٢) أي: آتيًا.
﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ قرئ: بفتح التاء (٣)، على الخطاب لفرعون، لأنه قد علم وتحقق صحة ما جاء به عليه الصلاة والسلام، بشهادة قوله جل ذكره: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ (٤). أي: لقد علمت أن هذه المعجزات لم ينزلها إلا الله عز وجل، ولكنك عاندتَ.
وبالضم (٥)، على إسناد الفعل إلى موسى - عليه السلام - على معنى: إني لست بمسحور كما وصفتني، بل عالم بصحة الأمر، وإنَّ هذه المعجزات منزلها رب السموات. وبالفتح قرأ ابن عباس - رضي الله عنهما - (٦) محتجًا بقوله سبحانه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ قائلًا: إنَّ علم موسى لا يكون حجة على فرعون (٧).

(١) كذا في الكشاف الموضع السابق أيضًا.
(٢) سورة مريم، الآية: ٦١.
(٣) هذه قراءة الجمهور غير الكسائي كما سيأتي.
(٤) سورة النمل، الآية: ١٤.
(٥) أي: (علمتُ). وهي قراءة الكسائي وحده من العشرة. وانظر القراءتين في السبعة / ٣٨٦/. والحجة ٥/ ١٢٢. والمبسوط / ٢٧٢/.
(٦) يعني مثل قراءة الجمهور. وانظر معاني الفراء ٢/ ١٣٢ فقد نسبها إلى ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن جبير - رضي الله عنهم - جميعًا. وكذلك أخرجها الطبري ١٥/ ١٧٤ عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٧) انظر قول ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا في معاني النحاس ٤/ ٢٠١ - ٢٠٢.


الصفحة التالية
Icon