والوجه الأول أمتن وأقيس، ومثله: ﴿وَنُوحًا﴾، ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾، ﴿وَأَيُّوبَ﴾، ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ﴾، ﴿وَذَا النُّونِ﴾، ﴿وَزَكَرِيَّا﴾ (١)، إلى آخر القصة، كل واحد منهم تنصبه بمضمر يليق به، على ما ستراه إن شاء الله (٢).
﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى﴾ أي: ونجينا نوحًا، دل عليه ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ﴾، أو: واذكر نوحًا من قبلُ، [أي: من قبل] إبراهيم ولوط. ﴿وَنَصَرْنَاهُ﴾ أي: ومنعناه من الكفار، والنصر: المنع من العدو. وقيل: ﴿مِنَ﴾ هنا بمعنى على، أي: ونصرناه على القوم (٣).
﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ أي: واذكر خبرهما لقومك، و ﴿إِذْ﴾ معمول هذا المحذوف. ﴿إِذْ نَفَشَتْ﴾ (إذ) معمول ﴿يَحْكُمَانِ﴾، والنَّفَشُ: الانتشار بالليل، يقال: نفشت الغنم، إذا تفرقت بالليل ترعى بلا راع.

(١) كلها من هذه السورة وفي الآيات التالية.
(٢) انظر هذه الأوجه مجتمعة في معاني الفراء ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨. ومعاني الزجاج ٣/ ٣٩٨ - ٣٩٩. وإعراب النحاس ٢/ ٣٧٧. واقتصر مكي ٢/ ٨٥ على الأول.
(٣) اقتصر عليه الطبري ١٧/ ٥٠. وعزاه القرطبي ١١/ ٣٠٧ إلى أبي عبيدة. وانظر المعنيين في زاد المسير ٥/ ٣٧٠.


الصفحة التالية
Icon