ويتضرعون وأَمْرُ عدوهم يستفحل، ويتوكَّد، فلما تبيَّن لهم أن ندَّهم لا يدفع ولا ينفع (١) ولا يسمع، قال: هاهنا إله ندعوه فيستجيب، ونستجيره فيجير، فهلموا ندعوه، فدعوا الله تعالى، فصرف عنهم ما كانوا يحذرون، وأسلموا (٢).
والجواب الثاني:
أن إبراهيم عليه السَّلام رآهم يعبدون الشمس والقمر والنجوم، فقال لهم؛ على جهة الاستفهام والتوبيخ، منكرًا لفعلهم: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ يعني: أهذا ربي؟ ومثل هذا يكون ربًّا؟ ! أي: ليس هذا ربي؛ كقول الله عز وجل: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ (٣) أي: أَفَهُم؟.
وكقول موسى عليه السَّلام لفرعون: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ﴾ (٤) أي: أَوَ تلك نعمة؟.
وقال الهذلي (٥):
رفوني، وقالوا: يا خويلد، لم تُرَع... فقلت، وأنكرتُ الوجوه: هُمُ هُمُ (٦)؟ !

(١) في (ت): لا ينفع ولا يدفع.
(٢) "معالم التنزيل" ٣/ ١٦٠. وذكرها بإيجاز ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٧٢.
(٣) الأنبياء: ٣٤.
(٤) الشعراء: ٢٢.
(٥) أبو خراش، خويلد بن مرة، شاعر مخضرم وفارس.
(٦) "ديوان الهذليين" ٢/ ١٤٤، وانظر: "اللسان" ١٤/ ٣٣٠ (رفا)، "تاج العروس" ١/ ٢٤٨ (رفا). والبيت مطلع شعر له في فرة فرها على رجليه، فوصف ذلك وحسن فرته. وقوله: (رفوني)، أي: سكنوني، كأن قلبه قد طار شعاعًا، فضموا بعضه إلى بعض. يقال: رفوته من الرعب ورفأته.


الصفحة التالية