" صفحة رقم ١١٦ "
البشر يتقصّون مظانّ المعرفة والعلم لجلب ما ينفع واتقاءِ ما يضر، قال تعالى :( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. ( ( النحل : ٤٣ )
وفي قوله :( أهدك صراطاً سوياً استعارة مكنية ؛ شبه إبراهيم بهادي الطريق البصير بالثنايا، وإثبات الصراط السويّ قرينة التشبيه، وهو أيضاً استعارة مصرحة بأن شبه الإعتقاد الموصل إلى الحق والنجاة بالطريق المستقيم المبلغ إلى المقصود.
ويا أبت تقدّم الكلام على نظيره قريباً.
٤٤ ) ياأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً ).
إعادة النداء لزيادة تأكيد ما أفاده النداء الأول والثاني.
والمراد بعبادة الشيطان عبادة الأصنام ؛ عبر عنها بعبادة الشيطان إفصاحاً عن فسادها وضلالها، فإن نسبة الضلال والفساد إلى الشيطان مقررة في نفوس البشر، ولكن الذين يتبعونه لا يفطنون إلى حالهم ويتبعون وساوسه تحت ستار التمويه مثل قولهم ) إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( ( الزخرف : ٢٣ )، ففي الكلام إيجاز لأن معناه : لا تعبد الأصنام لأن اتخاذها من تسويل الشيطان للذين اتخذوها ووضعوها للناس، وعبادتَها من وساوس الشيطان للذين سنّوا سنن عبادتها، ومن وساوسه للناس الذين أطاعوهم في عبادتها، فمن عَبَد الأصنام فقد عبد الشيطان وكفى بذلك ضلالاً معلوماً.
وهذا كقوله تعالى :( وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً وتقدم في سورة النساء ( ١١٧ ). وفي هذا تبغيض لعبادة الأصنام، لأن في قرارة نفوس الناس بغض الشيطان والحذر من كيده.