" صفحة رقم ١١٩ "
وجملة أراغب أنت جملة اسمية مركبة من مبتدأ وفاعل سدّ مسدّ الخبر على اصطلاح النحاة طرداً لقواعد التركيب اللفظي، ولكنهم لما اعتبروا الاسم الواقع ثانياً بعد الوصف فاعلاً سادّاً مسدّ الخبر فقد أثبتوا لذلك الاسم حكم المسند إليه وصار للوصف المبتدأ حكم المُسند. فمن أجل ذلك كان المصير إلى مثل هذا النظم في نظر البلغاء هو مقتضى كون المقام يتطلّب جملة اسمية للدلالة على ثباتٍ المسند إليه، ويتطلّب الاهتمام بالوصف دون الاسم لغرض يوجب الاهتمام به، فيلتجىء البليغ إلى الإتيان بالوصف أولاً والإتيان بالاسم ثانياً.
ولمّا كان الوصف له عملُ فعله تعين على النحاة اعتبار الوصف مبتدأ لأن للمبتدأ عراقةً في الأسماء، واعتباره مع ذلك متطلّباً فاعلاً، وجعلوا فاعله سادّاً مسدّ الخبر، فصار للتركيب شبهان. والتحقيقُ أنه في قوّة خبر مقدم ومبتدأ مؤخر. ولهذا نظر الزمخشري في الكشاف إلى هذا المقصد فقال : قُدم الخبر على المبتدأ في قوله : أراغب أنت عن آلهتي لأنه كان أهمّ عنده وهو به أعنى اه. ولله دره، وإن ضاع بين أكثر الناظرين دُرُّه. فدل النظم في هذه الآية على أن أبا إبراهيم ينكر على إبراهيم تمكن الرغبة عن آلهتهم من نفسه، ويهتم بأمر الرغبة عن الآلهة لأنها موضع عَجب.
والنداء في قوله يا إبراهيم تكملة لجملة الإنكار والتعجب، لأنّ المتعجب من فعله مع حضوره يقصد بندائه تنبيهه على سوء فعله، كأنه في غيبة عن إدراك فعله، فالمتكلم ينزله منزلة الغائب فيناديه لإرجاع رشده إليه، فينبغي الوقف على قوله يا إبراهيم.
وجملة لئن لم تنته لأرجمنك مستأنفة.
واللام موطئة للقسم تأكيداً لكونه راجمهُ إن لم ينته عن كفره بآلهتهم.