" صفحة رقم ٢٢٩ "
ومن مجيئه غير مطابق قوله تعالى في سورة الشعراء ( ١٦ ) :( فأتِيا فرعون فقولا إنا رسولُ ربّ العالمين وسيجيء تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله.
وأدخل فاء التفريع على طَلب إطلاق بني إسرائيل لأنّه جعل طلب إطلاقهم كالمستقرّ المعلوم عند فرعون ؛ إما لأنّه سبقت إشاعَة عزمهما على الحضور عند فرعون لذلك المطلب، وإما لأنه جعله لأهميته كالمقرّر. وتفريع ذلك على كونهما مرسلَيْن من الله ظاهر، لأنّ المرسل من الله تجب طاعته.
وخصّا الربّ بالإضافة إلى ضمير فرعون قصداً لأقصى الدعوة، لأنّ كون الله ربّهما معلوم من قولهما إنَّا رَسُولاَ رَبّكَ ( وكونه ربّ الناس معلوم بالأحْرى لأنّ فرعون علّمهم أنه هو الرب.
والتعذيب الذي سألاه الكفّ عنه هو ما كان فرعون يسخّر له بني إسرائيل من الأعمال الشاقّة في الخدمة، لأنه كان يعُدّ بني إسرائيل كالعبيد والخول جزاء إحلالهم بأرضه.
وجملة ) قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبّك ( فيها بيان لجملة ) إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ( فكانت الأولى إجمالاً والثانية بياناً. وفيها معنى التعليل لتحقيق كونهما مرسلَيْن من الله بما يظهره الله على يد أحدهما من دلائل الصدق. وكلا الغرضين يوجب فصل الجملة عن التي قبلها.
واقتصر على أنهما مصاحبان لآيةٍ إظهاراً لكونهما مستعدّيْن لإظهار الآية إذا أراد فرعون ذلك. فأما إن آمن بدون احتياج إلى إظهار الآية يكن إيمانه أكمل، ولذلك حكي في سورة الأعراف ( ١٦ ) قول فرعون :( قال إن كنت جئت بآية فإت بها إن كنت من الصادقين. وهذه الآية هي انقلاب العصا حيّة، وقد تبعتها آيات أخرى.