" صفحة رقم ٢٣٧ "
إياه، إلاّ أنّه كثر في الكلام تجريده من الهمزة كقوله تعالى :( نسلكه عذاباً صعداً ( ( الجنّ : ١٧ ). وكثر كون الاسم الذي كان مفعولاً ثانياً يصير مجروراً ب ( في ) كقوله تعالى :( ما سَلَكَكُم في سَقَر ( ( المدثر : ٤٢ ) بمعنى أسلككم سقر. وقوله :( كذلك سلَكْنَاه في قلوب المجرمين في سورة الشعراء ( ٢٠٠ )، وقوله ألم تر أنّ الله أنزل من السّماء ماء فسَلَكه ينابيع في الأرض في سورة الزمر ( ٢١ ). وقال الأعشى :
كما سلك السّكيّ في الباب فيْتَق
أي أدخل المسمارَ في الباب نجارٌ، فصار فعل سلك يستعمل قاصراً ومتعدياً.
فأما قوله هنا وسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ( فهو سَلك المتعدي، أي أسلك فيها سبلاً، أي جعل سبلاً سالكة في الأرض، أي داخلة فيها، أي متخللة. وذلك كناية عن كثرتها في جهات الأرض.
والمراد بالسبل : كلّ سبيل يمكن السير فيه سواء كان من أصل خلقة الأرض كالسهول والرمال، أو كان من أثر فعل النّاس مثل الثنايا التي تكرر السير فيها فتعبدت وصارت طرقاً يتابعُ الناس السير فيها.
ولما ذَكَر منّة خلق الأرض شفعها بمنّة إخراج النّبات منها بما ينزل عليها من السماء من ماء. وتلك منّة تنبىء عن خلق السماوات حيث أجرى ذكرها لقصد ذلك التذكير، ولذا لم يقل : وصببنا الماء على الأرض، كما في آية :( أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقّاً ( ( عبس : ٢٥، ٢٦ ). وهذا إدماج بليغ.
والعدول عن ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلّم في قوله :( فأخرجنا ( التفات. وحسّنه هنا أنّه بعد أن حَجّ المشركين بحجّة انفراده بخلق الأرض وتسخير السماء مما لا سبيل بهم إلى نكرانه ارتقى