" صفحة رقم ٢٤٠ "
أنفسهم من أولي النّهى، فما كان عدم اهتدائهم بتلك الآيات إلاّ لأنهم لم يَعُدوها آيات. لا جرم أنّ ذلك المذكور مشتمل على آيات جمّة يتفطن لها ذوو العقول بالتأمّل والتفكّر، وينتبهون لها بالتذكير.
والنُهى : اسم جمع نُهْية بضم النون وسكون الهاء، أي العقل، سمي نُهية لأنّه سبب انتهاء المتحلي به عن كثير من الأعمال المفسدة والمهلكة، ولذلك أيضاً سمّي بالعقل وسمي بالحِجْر.
٥٥ ) ) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (
مستأنفة استئنافاً ابتدائياً. وهذا إدماج للتذكير بالخلق الأول ليكون دليلاً على إمكان الخلق الثاني بعد الموت. والمناسبة متمكنة ؛ فإن ذكر خلق الأرض ومنافعها يستدعي إكمال ذكر المهم للنّاس من أحوالها، فكان خلق أصل الإنسان من الأرض شبيهاً بخروج النبات منها. وإخراج النّاس إلى الحشر شبيه بإخراج النبات من الأرض. قال تعالى :( والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً ( ( نوح : ١٧، ١٨ ).
وتقديم المجرورات الثلاثة على متعلقاتها ؛ فأما المجرور الأول والمجرور الثالث فللاهتمام بكون الأرض مبدأ الخلق الأول والخلق الثاني. وأما تقديم ) وفِيهَا نُعِيدكُم ( فللمزاوجة مع نظيريه.
ودل قوله تعالى :( وفِيهَا نُعيدُكُم ( على أن دفن الأموات في الأرض هو الطريقة الشرعيّة لمواراة الموتى سواء كان شَقّاً في الأرض أو لحْداً، لأن كليهما إعادة في الأرض ؛ فما يأتيه بعض الأمم غير


الصفحة التالية
Icon