" صفحة رقم ٢٥٢ "
مشدّدة أو مخفّفة، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون ( إنّ ) ما عدا ابنَ كثير وحفصاً عن عاصم فهما قرءَا ( إنْ ) بسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة.
وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي ( ﷺ ) وقرّاء أصحابه، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي.
فأما قراءة الجمهور ) إنّ هذان لساحران بتشديد نون ( إنّ ) وبالألف في هذان وكذلك في لساحران، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستّة. وأظهرها أن تكون ( إنّ ) حرف جواب مثل : نعم وأجَل، وهو استعمال من استعمالات ( إنّ )، أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النّجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيّات :
ويقلْن شيب قد عَلا
كَ وقد كبِرت فقلت إنّه
أي أجل أو نعم، والهاء في البيت هاءُ السّكْتتِ، وقول عبد الله بن الزُبير لأعرابي استجداه فلم يعطه، فقال الأعرابي : لعَن الله ناقة حملتني إليك. قال ابن الزّبير : إنّ وراكِبَها. وهذا التوجيه من مبتكرات أبي إسحاق الزجاج ذكره في تفسيره ). وقال : عرضته على عالمينا وشيْخينا وأستاذيْنا محمد بن يزيد ( يعني المبرد )، وإسماعيل بن إسحاق بن حمّاد ( يعني القاضي الشهير ) فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا.
وقلت : لقد صدقا وحقّقا، وما أورده ابن جنّي عليه من الرد فيه نظر.