" صفحة رقم ١١٣ "
ألا ترى أنهم سموا اليمن يمناً لأنه على يمين المستقبل باب الكعبة وسموا الشام شاماً لأنه على شآم المستقبل لبابها، أي على شماله، فاعتبروا استقبال الكعبة، وهذا هو الملائم لقوله الآتي ) وما كنت بجانب الغربي ( ( القصص : ٤٤ ).
وأما جعله بمعنى الأيمن لموسى فلا يستقيم مع قوله تعالى ) وواعدناكم جانب الطور الأيمن ( ( طه : ٨٠ ) فإنه لم يجر ذكر لموسى هناك.
وإن حمل على أنه تفضيل من اليُمن وهو البركة فهو كوصفه ب ) المقدس ( في سورة النازعات ( ١٦ ) ) إذ ناداه ربه بالوادِي المقدس طُوى ).
و ) البقعة ( بضم الباء ويجوز فتحها هي القطعة من الأرض المتميزة عن غيرها. و ) المباركة ( لما فيها من اختيارها لنزول الوحي على موسى. وقوله ) من الشجرة ( يجوز أن يتعلق بفعل ) نُودِي ( فتكون الشجرة مصدر هذا النداء وتكون ) من ( للابتداء، أي سمع كلاماً خارجاً من الشجرة. ويجوز أن يكون ظرفاً مستقراً نعتاً ثانياً للواد أو حالاً فتكون ) من ( اتصالية، أي متصلاً بالشجرة، أي عندها، أي البقعة التي تتصل بالشجرة.
والعريف في ) الشجرة ( تعريف الجنس وعدل عن التنكير للإشارة إلى أنها شجرة مقصودة وليس التعريف للعهد إذ لم يتقدم ذكر الشجرة، والذي في التوراة أن تلك الشجرة كانت من شجر العُلَّيق ( وهو من شجر العضاه ) وقيل : هي عوسجة والعوسج من شجر العضاه أيضاً. وزيادة ) أقبل ( وهي تصريح بمضمون قوله ) لا تخف ( في سورة النمل ( ١٠ ) لأنه لما أدبر خوفاً من الحية كان النهي عن الخوف يدل على معنى طلب إقباله فكان الكلام هنالك إيجازاً وكان هنا مساواة تفنناً في حكاية القصتين، وكذلك زيادة ) إنك من الآمنين ( هنا ولم يحك في سورة النمل وهو تأكيد لمفاد ) ولا تخف ). وفيه زيادة تحقيق أمنه بما دل عليه التأكيد ب ( إن ) وجعله من جملة الآمنين فإنه أشد في تحقيق الأمن من أن يقال : إنك آمن كما تقدم في قوله تعالى ) أن أكون من الجاهلين ( في سورة البقرة ( ٦٧ ).
وقوله ) واضمم إليك جناحك من الرهب ( خفي فيه محصل المعنى المنتزع من تركيبه فكان مجال تردد المفسرين في تبيينه، واعتكرت محامل كلماته فما