" صفحة رقم ٢٥٨ "
وحذف متعلق فعل ) اتْلُ ( ليعم التلاوة على المسلمين وعلى المشركين. وهذا كقوله تعالى ) إنما أُمرتُ أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرّمها ( إلى قوله ) وأن أتلو القرءان فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ( ( النمل : ٩١، ٩٢ ).
وأمره بإقامة الصلاة لأن الصلاة عمل عظيم، وهذا الأمر يشمل الأمة فقد تكرر الأمر بإقامة الصلاة في آيات كثيرة.
وعلل الأمر بإقامة الصلاة بالإشارة إلى ما فيها من الصلاح النفساني فقال ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (، فموقع ) إن ( هنا موقع فاء التعليل ولا شك أن هذا التعليل موجّه إلى الأمة لأن النبي ( ﷺ ) معصوم من الفحشاء والمنكر فاقتصر على تعليل الأمر بإقامة الصلاة دون تعليل الأمر بتلاوة القرآن لما في هذا الصلاح الذي جعله الله في الصلاة من سِرّ إلهي لا يهتدي إليه الناس إلا بإرشاد منه تعالى ؛ فأخبر أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والمقصود أنها تنهى المصلي.
وإذ قد كانت حقيقة النهي غير قائمة بالصلاة تعيّن أن فعل ) تنهى ( مستعمل في معنى مجازي بعلاقة أو مشابهة. والمقصود : أن الصلاة تيسر للمصلي ترك الفحشاء والمنكر. وليس المعنى أن الصلاة صارفة المصلي عن أن يرتكب الفحشاء والمنكر فإن المشاهد يخالفه إذ كم من مصلّ يقيم صلاته ويقترف بعض الفحشاء والمنكر.
كما أنه ليس يصح أن يكون المراد أنها تصرف المصلي عن الفحشاء والمنكر ما دام متلبساً بأداء الصلاة لقلة جدوى هذا المعنى. فإن أكثر الأعمال يصرف المشتغل به عن الاشتغال بغيره.
وإذ كانت الآية مسوقة للتنويه بالصلاة وبيان مزيتها في الدين تعين أن يكون المراد أن الصلاة تُحذر من الفحشاء والمنكر تحذيراً هو من خصائصها.
وللمفسرين طرائق في تعليل ذلك منها ما قاله بعضهم : إن المراد به ما للصلاة من ثواب عند الله، فإن ذلك غرض آخر وليس منصباً إلى ترك الفحشاء والمنكر ولكنه من وسائل توفير الحسنات لعلها أن تغمر السيئات، فيتعين لتفسير


الصفحة التالية
Icon