" صفحة رقم ٢٦٠ "
ثم الناس في الانتهاء متفاوتون، وهذا المعنى من النهي عن الفحشاء والمنكر هو من حكمة جعل الصلوات موزعة على أوقات من النهار والليل ليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ، وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفوس وتتباعد النفس من العصيان حتى تصير التقوى ملكة لها. ووراء ذلك خاصية إلهية جعلها الله في الصلاة يكون بها تيسير الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
روى أحمد وابن حِبّان والبيهقي عن أبي هريرة قال :( جاء رجل إلى النبي ( ﷺ ) فقال : إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، فقال : سينهاه ما تقول ) أي صلاته بالليل.
واعلم أن التعريف في قوله ) الفحشاء والمنكر ( تعريف الجنس فكلما تذكر المصلي عند صلاته عظمة ربه ووجوب طاعته وذكر ما قد يفعله من الفحشاء والمنكر كانت صلاته حينئذ قد نهته عن بعض أفراد الفحشاء والمنكر.
و ) الفحشاء ( : اسم للفاحشة، والفُحش : تجاوز الحد المقبول. فالمراد من الفاحشة : الفعلة المتجاوزة ما يُقبل بين الناس. وتقدم في قوله تعالى ) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء ( في سورة البقرة ( ١٦٩ ). والمقصود هنا من الفاحشة : تجاوز الحد المأذون فيه شرعاً من القول والفعل، وبالمنكر : ما ينكره الشرع ولا يرضى بوقوعه.
وكأنّ الجمع بين الفاحشة والمنكر منظور فيه إلى اختلاف جهة ذمه والنهي عنه.
وقوله ) وَلَذِكْرُ الله أكبر ( يجوز أن يكون عطفاً على جملة ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( فيكون عطف علة على علة، ويكون المراد بذكر الله هو الصلاة كما في قوله تعالى ) فاسعوا إلى ذكر الله ( ( الجمعة : ٩ ) أي صلاة الجمعة. ويكون العدول عن لفظ الصلاة الذي هو كالاسم لها إلى التعبير عنها بطريق الإضافة للإيماء إلى تعليل أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أي إنما كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر لأنها ذكر الله وذكر الله أمرٌ كبير، فاسم التفضيل مسلوب المفاضلة مقصود به قوة الوصف كما في قولنا : الله أكبر، لا تريد أنه أكبر من كبير آخر.