" صفحة رقم ٢٦٢ "
ذلك الملك وصيغة الطلب ترد لطلب الدوام مثل :( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ( ( النساء : ١٣٦ ). وتنكير ) مُلْكاً ( للتعظيم.
وارتقى سليمان في تدرج سؤاله إلى أن وصف ملكاً أنه لا ينبغي لأحد من بعده، أي لا يتأتى لأحد من بعده، أي لا يعطيه الله أحداً يبتغيه من بعده. فكنّى ب ) لا ينبغي ( عن معنى لا يُعطَى لأحد، أي لا تعطيه أحداً من بعدي.
ففعل :( ينبغِي ( مطاوع بغاه، يقال : بغاه فانبغى له وليس للملْك اختيار وانبغاء وإنما الله هو المعطي والميسّر فإسناد الانبغاء إلى الملك مجاز عقلي، وحقيقته : انبغاء سببه. وهذا من التأدّي في دعائه إذ لم يقل : لا تعطه أحداً من بعدي.
وسأل الله أن لا يقيم له منازعاً في ملكه وأن يبقى له ذلك الملكُ إلى موته، فاستجاب فكان سليمان يخشى ظهور عبده ( يربعام بن نباط ) من سبط أفرايم عليه إذ كان أظهر الكيد لسليمان فطلبه سليمان ليقتله فهرب إلى ( شيشق ) فرعون مصر وبقي في مصر إلى وفاة سليمان. فهذا أيضاً مما حمل سليمان أن يسأل الله تثبيت ملكه وأن لا يعطيه أحداً غيره. وكان لسليمان عدوَّان آخران هما ( هدد ) الأدومي و ( رزون ) من أهل صرفة مقيمين في تخوم مملكة إسرائيل فخشي أن يكون الله هيأهما لإِزالة ملكه.
واستعمل ) مِن بعدي ( في معنى : من دوني، كقوله تعالى :( فمن يهديه من بعد الله ( ( الجاثية : ٢٣ )، فيكون معنى ) لا ينبغِي ( أنه لا ينبغي لأحد غيري، أي في وقت حياتي فهذا دعاء بأن لا يُسلط أحد على ملكه مدة حياته.
وعلى هذا التفسير لا يكون في سؤاله هذا الملك شيء من الاهتمام بأن لا ينال غيره مثل ما ناله هو فلا يرد على ذلك أن مثل هذا يعدّ من الحسد.
ويجوز أن يبقى ) مِن بعدي ( على ظاهره، أي بعد حياتي. فمعنى ) لا يَنبغِي ( : لا ينبغي مثله لأحد بعد وفاتي. وتأويل ذلك أنه قصد من سؤاله الإِشفاق


الصفحة التالية
Icon