" صفحة رقم ٢٧٨ "
بحيث لا ينسون الآخرة ولا يقبلون على الدنيا، فالدار التي هي محلّ عنايتهم هي الدار الآخرة، قال النبي ( ﷺ ) ( فأقول مَا لي وللدنيا ).
وأشار قوله تعالى :( بخالصةٍ ذكرى الدَّارِ ( إلى أن مبدأ العصمة هو الوحي الإِلهي بالتحذير مما لا يرضي الله وتخويف عذاب الآخرة وتحبيب نعيمها فتحدث في نفس النبي ( ﷺ ) شدة الحذر من المعصية وحبُّ الطاعة ثم لا يزال الوحي يتعهده ويوقظه ويجنبه الوقوع فيما نُهي عنه فلا يلبث أن تصير العصمة ملكة للنبيء يكره بها المعاصي، فأصل العصمة هي منتهى التقوى التي هي ثمرة التكليف، وبهذا يمكن الجمع بين قول أصحابنا : العصمة عدم خَلق المعصية مع بقاء القدرة على المعصية، وقوللِ المعتزلة : إنها ملكة تمنع عن إرادة المعاصي، فالأولون نظروا إلى المبدأ والأخيرون نظروا إلى الغاية، وبه يظهر أيضاً أن العصمة لا تنافي التكليف وترتَّب المدححِ على الطاعات.
وقرأ نافع وهشام عن ابن عامر وأبو جعفر ( خالصة ) بدون تنوين لإِضافته إلى ) ذكرى الدارِ ( والإضافة بيانية لأن ) ذِكرى الدَّارِ ( هي نفس الخالصة، فكأنه قيل : بذكرى الدار، وليست من إضافة الصفة إلى الموصوف ولا من إضافة المصدر إلى مفعوله ولا إلى فاعله، وإنما ذكر لفظ ( خالصة ) ليقع إجمال ثم يفصل بالإِضافة للتنبيه على دقة هذا الخلوص كما أشرنا إليه. والتعريفُ بالإِضافة لأنها أقصى طريق للتعريف في هذا المقام. وقرأ الجمهور بتنوين ( خالصةً ) فيكون ) ذكرى الدار ( عطف بيان أو بدلاً مطابقاً. وغرض الإجمال والتفصيل ظاهر. وإضافة ( خالصة ) إلى ) ذِكرى الدَّارِ ( في قراءة نافع من إضافة الصفة إلى الموصوف وإبدالها منها في قراءة الجمهور من إبدال الصفة من الموصوف. ويجوز أن يكون ) ذِكرى ( مرادف الذكر بكسر الذال، أي الذكر الحسن، كقوله تعالى :( وجعلنا لهم لسان صدق علياً ( ( مريم : ٥٠ ) وتكون ) الدَّارِ ( هي الدار الدنيا.


الصفحة التالية
Icon