" صفحة رقم ٢٩٧ "
وتكون جملة ) إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ( ( ص : ٧١ ) إلى آخره استئنافاً ابتدائياً.
وعلى هذا فضمير ) يختصمون ( عائد إلى أهل النار من قوله :( تخاصُمُ أهللِ النارِ ( ( ص : ٦٤ ) إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى. والمعنى : ما كان لي من علم بعالَم الغيب وما يجري فيه من الإِخبار بما سيكون إذ يَختصم أهل النار في النار يوم القيامة.
وعلى كلا التفسيرين فمعنى ) أنتُم عنهُ مُعْرِضُونَ (، أنهم غافلون عن العلم به فقد أُعلموا بالنبأ بمعناه الأول وسيَعلَمون قريباً بالنبأ بمعناه الثاني.
وجيء بالجملة الاسمية في قوله :( أنتُم عنه معرِضُونَ ( لإِفادة إثبات إعراضهم وتمكنه منهم، فأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الأول فظاهر تمكنُه من نفوسهم لأنه طالما أنذرهم بعذاب الآخِرة ووصفه فلم يكترثوا بذلك ولا ارْعَوَوْا عن كفرهم. وأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الثاني، فتأويلُ تمكنه من نفوسهم عدم استعدادهم للاعتبار بمغزاهُ من تحقق أن ما هم فيه هو وسوسة من الشيطان قصداً للشَّرّ بهم.
ولعل هذه الآية من هذه السورة هي أول ما نزل على النبي ( ﷺ ) من ذكر قِصة خلق آدم وسجود الملائكة وإباء إبليس من السجود، فإن هذه السورة في ترتيب نزول سور القرآن لا يُوجد ذكر قصة آدم في سورة نزلت قبلَها. فذلك وجهُ التوطئة للقصة بأساليب العناية والاهتمام مما خلا غيرُها عن مثله وبأنها نبأ كانوا معرضين عنه. وأيًّا مَّا كان فقوله :( أنتُم عنْهُ مُعرِضُونَ ( توبيخ لهم وتحميق.
وجملة ) ما كَانَ لي من علممٍ بالملأ الأعلى إذ يختصمونَ ( اعتراض إبلاغ في التوبيخ على الإِعراض عن النبأ العظيم، وحجة على تحقق النبأ بسبب أنه موحىً به من الله وليس للرسول ( ﷺ ) سبيل إلى عمله لولا وحي الله إليه به. وذكر فعل ) كان ( دال على أن المنفي علمه بذلك فيما مضى من الزمن قبل أن يوحى إليه بذلك كما


الصفحة التالية
Icon