" صفحة رقم ٣٠٩ "
أو يشق عليه، ومادة التفعل تدل على معالجة ما ليس بسهل، فالمتكلف هو الذي يتطلب ما ليس له أو يدعي علم ما لا يعلمه.
فالمعنى هنا : ما أنا بمُدَّع النبوءة باطلاً من غير أن يوحى إليّ وهو رد لقولهم :( كذاب ( ( ص : ٤ ) وبذلك كان كالنتيجة لقوله :( ما أسألكم عليه من أجْرٍ ( لأن المتكلف شيئاً إنما يطلب من تكلُّفِه نفعاً، فالمعنى : وما أنا ممن يدعون ما ليس لهم. ومنه حديث الدارقطني عن ابن عمر قال : خرج رسول الله في بعض أسفاره فمرّ على رجل جالس عند مقراة له ( أي حوض ماء )، فقال عُمر : يا صاحبَ المَقراة أَوَلَغَتْ السباع الليلة في مَقراتك ؟ فقال له النبي ( ﷺ ) يا صاحب المَقراة لا تخبره، هذا متكلف لها مَا حملتْ في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور. وفي ( الصحيحين ) عن ابن مسعود أنه قال :( يا أيها الناس من علِم منكم علماً فليقل به ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم، قال الله لرسوله :( قُلْ ما أسألُكُم عليهِ من أجْرٍ وما أنا مِن المتكلفين ).
وأخذ من قوله :( وما أنا من المتكلفين ( أن ما جاء به من الدين لا تكلف فيه، أي لا مشقة في تكاليفه وهو معنى سماحة الإِسلام، وهذا استرواح مبني على أن من حكمة الله أن يجعل بين طبع الرسول ( ﷺ ) وبين روح شريعته تناسباً ليكون إقباله على تنفيذ شرعه بِشَرَاشِره لأن ذلك أنفى للحرج عنه في القيام بتنفيذ ما أمر به.
وتركيب ) ما أنا من المتكلفين ( أشدّ في نفي التكلّف من أن يقول : ما أنا بمتكلف، كما تقدم بيانه عند قوله تعالى :( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في سورة البقرة ).
وجملة ) إن هُو إلا ذِكرٌ للعالمين ( بدل اشتمال من جملة ) وما أنا منَ المتكلفين ( اشتمال نفي الشيء على ثبوت ضده، فلما نفَى بقوله :( وما أنا من المتكلفين ( أن يكون تَقَوَّل القرآن على الله، ثبت من ذلك أن القرآن ذكرٌ للناس ذكّرهم الله به، أي ليس هو بالأساطير أو الترهات. ولك أن تجعلها تذييلاً إذ لا منافاة بينهما هنا. وهذا الإِخبار عن موقع القرآن لدى جميع أمة الدعوة لا خصوص المشركين الذين كان في مجادلتهم لأنه لما ثبت أن النبي ( ﷺ )