" صفحة رقم ٢٥٢ "
المسلم، وقد قال العلماء : إن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز. وإن لم ينشأ عليه إلا مجرد اعتقاد دون عمل فليقدِّر أن ظنه كان مخطئاً يجد نفسه قد اعتقد في أحد ما ليس به، فإن كان اعتقادا في صفات الله فقد افترى على الله وإن كان اعتقاداً في أحوال الناس فقد خسر الانتفاع بمن ظنه ضاراً، أو الاهتداء بمن ظنه ضالاً، أو تحصيل العلم ممن ظنه جاهلاً ونحو ذلك.
ووراء ذلك فالظن الباطل إذا تكررت ملاحظته ومعاودة جولانه في النفس قد يصير علماً راسخاً في النفس فتترتب عليه الآثار بسهولة فتصادف من هو حقيق بضدها كما تقدم في قوله تعالى :( أن تُصِيبُوا قوما بجهالة فتُصبحُوا على ما فعلتم نادمين ( ( الحجرات : ٦ ).
والاجتناب : افتعال مِن جنَّبه وأجنبه، إذا أبعده، أي جعله جانباً آخر، وفعله يُعدّى إلى مفعولين، يقال : جَنبه الشرَّ، قال تعالى :( واجْنُبْنِي وبَنِيّ أن نعبد الأصنام ( ( إبراهيم : ٣٥ ). ومطاوعه اجتَنب، أي ابتعد، ولم يسمع له فعل أمر إلا بصيغة الافتعال.
ومعنى الأمر باجتناب كثير من الظن الأمر بتعاطي وسائل اجتنابه فإن الظن يحصل في خاطر الإنسان اضطراراً عن غير اختيار، فلا يعقل التكليف باجتنابه وإنما يراد الأمر بالتثبت فيه وتمحيصه والتشكك في صدقه إلى أن يتبين موجبه بدون تردد أو برجحان أو يتبين كذبه فتكذب نفسك فيما حدثتك. وهذا التحذير يراد منه مقاومة الظنون السيئة بما هو معيارها من الأمارات الصحيحة. وفي الحديث ( إذا ظننتم فلا تحققوا ). على أن الظن الحسن الذي لا مستند له غير محمود لأنه قد يوقع فيما لا يحد ضره من اغترار في محل الحذر ومن اقتداء بمن ليس أهلاً للتأسي. وقد قال النبي ( ﷺ ) لأم عطية حين مات في بيتها عثمان بن مظعون وقال :( رحمة الله عليك أبا السايب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله وما يدريككِ أن الله أكرمه. فقالت : يا رسول الله ومن يكرمه الله ؟ فقال : أمَّا هو فقد جاءه اليقين وإنّي