" صفحة رقم ٢٦٥ "
صراحة بنفي الإيمان عنهم فلا يحسبوا أنهم غالطوا رسول الله ( ﷺ )
واستغني بقوله :( لم تؤمنوا ( عن أن يقال : لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مُؤدّاه النهي عن الإعلان بالإيمان لأنهم مطالبون بأن يؤمنوا ويقولوا آمنا قولا صادقاً لا كاذباً فقيل لهم ) لم تؤمنو ( تكذيباً لهم مع عدم التصريح بلفظ التكذيب ولكن وقع التعريض لهم بذلك بعد في قوله :( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ( إلى قوله :( أولئك هم الصادقون ( أي لا أنتم ولذلك جيء بالاستدراك محمولاً على المعنى.
وعدل عن أن يقال : ولكن أسلمتم إلى ) قولوا أسلمنا ( تعريضاً بوجوب الصدق في القول ليطابق الواقع، فهم يشعرون بأن كذبهم قد ظهر، وذلك مما يُتعير به، أي الشأن أن تقولوا قولاً صادقاً.
وقوله :( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ( واقع موقع الحال من ضمير ) لم تؤمنوا ( وهو مبيّنٌ لمعنى نفي الإيمان عنهم في قوله :( لم تؤمنوا ( بأنه ليس انتفاء وجود تصديق باللسان ولكن انتفاء رسوخه وعقد القلب عليه إذ كان فيهم بقية من ارتياب كما أشعر به مقابلته بقوله :( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ).
واستعير الدخول في قوله :( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ( للتمكن وعدم التزلزل لأن الداخل إلى المكان يتمكن ويَسْتقر والخارج عنه يكون سريع المفارقة له مستوفزاً للانصراف عنه.
و ( لمّا ) هذه أخت ( لم ) وتدل على أن النفي بها متصل بزمان التكلم وذلك الفارق بينها وبين ( لم ) أختها. وهذه الدلالة على استمرار النفي إلى زمن التكلم تؤذن غالباً، بأن النمفي بها متوقع الوقوع. قال في ( الكشاف ) ( وما في ( لمّا ) من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ).
وهي دلالة من مستتبعات التراكيب. وهذا من دقائق العربية. وخالف فيه أبو حيان والزمخشري حجة في الذوق لا يدانيه أبو حيان، ولهذا لم يكن قوله :( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ( تكريراً مع قوله :( لم تؤمنوا ).


الصفحة التالية
Icon