قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا﴾ تقدم معناه. ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ قال مجاهد : أي مؤمن وكافر ؛ قال : والخصومة ما قصه الله تعالى في قوله :﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الأعراف : ٧٥] إلى قوله :﴿كَافِرُونَ﴾. وقيل : تخاصمهم أن كل فرقة قالت : نحن على الحق دونكم.
قوله تعالى :﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ قال مجاهد : بالعذاب قبل الرحمة ؛ المعنى : لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب، وتقدمون الكفر الذي يوجب العقاب ؛ فكان الكفار يقولون لفرط الإنكار : ايتنا بالعذاب. وقيل : أي لم تفعلون ما تستحقون به العقاب ؛ لا أنهم التمسوا تعجيل العذاب. ﴿لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ أي هلا تتوبون إلى الله من الشرك. ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكي ترحموا ؛ وقد تقدم.
قوله تعالى :﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ أي تشاءمنا. والشؤم النحس. ولا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة. ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء، أو يدفع مقدورا فقد جهل. وقال الشاعر :
طيرة الدهر لا ترد قضاء... فاعذر الدهر لا تشبه بلوم
أي يوم يخصه بسعود... والمنايا ينزلن في كل يوم
ليس يوم إلا وفيه سعود... ونحوس تجري لقوم فقوم
وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة، وكانت إذا أرادت سفرا نفرت طائرا، فإذا طار يمنة سارت وتيمنت، وإن طار شمالا رجعت وتشاءمت، فنهى النبي ﷺ عن ذلك وقال :"أقِروا الطير على وكناتها" على ما تقدم بيانه في ﴿المائدة﴾. ﴿قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي مصائبكم. ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ أي تمتحنون. وقيل : تعذبون بذنوبكم.


الصفحة التالية
Icon