فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ قال ابن عباس : هو ذو الضرورة المجهود. وقال السدي : الذي لا حول له ولا قوة. وقال ذو النون : هو الذي قطع العلائق عما دون الله. وقال أبو جعفر وأبو عثمان النيسابوري : هو المفلس. وقال سهل بن عبدالله : هو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعيا لم يكن له وسيلة من طاعة قدمها. وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال : أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر ؛ قال : إذا فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. قال الشاعر :

وإني لأدعو الله والأمر ضيق علي فما ينفك أن يتفرجا
ورب أخ سدت عليه وجوهه أصاب لها لما دعا الله مخرجا
الثانية- وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكرة قال : قال رسول الله ﷺ في دعاء المضطر :"اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت".
الثالثة- ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه ؛ والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه ؛ وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر ؛ كما قال تعالى :﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس : ٢٢] وقوله :﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت : ٦٥] فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم، مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم. وقال تعالى :﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه. وفي الحديث :"ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده" ذكره صاحب الشهاب ؛ وهو حديث صحيح. وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال لمعاذ لما وجهه إلى أرض اليمن :"واتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب"


الصفحة التالية
Icon