بين السنة التي ذكرها ؛ أي أو لم يروا ما أنزلنا بعاد وثمود، ومدين وأمثالهم لما كذبوا الرسل، فتدبروا ذلك بنظرهم إلى مساكنهم ودورهم، وبما سمعوا على التواتر بما حل بهم، أفليس فيه عبرة وبيان لهم ؛ ليسوا خيرا من أولئك ولا أقوى، بل كان أولئك أقوى ؛ دليله قوله :﴿ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ ﴾ أي إذا أراد إنزال عذاب بقوم لم يعجزه ذلك. ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ﴾.
الآية :[٤٥] ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ﴾
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ﴾ يعني من الذنوب. ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ قال ابن مسعود : يريد جميع الحيوان مما دب ودرج. قال قتادة : وقد فعل ذلك ومن نوح عليه السلام. وقال الكلبي :﴿ مِنْ دَابَّةٍ ﴾ يريد الجن والإنس دون غيرهما ؛ لأنهما مكلفان بالعقل. وقال ابن جرير والأخفش والحسين بن الفضل : أراد بالدابة هنا الناس هنا وحدهم دون غيرهم.
قلت : والأول أظهر ؛ لأنه عن صحابي كبير. قال ابن مسعود : كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب ابن آدم. وقال يحيى بن أبي كثير : أمر رجل بالمعروف ونهى عن المنكر، فقال له رجل : عليك بنفسك فإن الظالم لا يضر إلا نفسه. فقال أبو هريرة : كذبت ؟ والله الذي لا إله إلا هو ثم قال والذي نفسي بيده إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم. وقال الثمالي ويحيى بن سلام في هذه الآية : يحبس الله المطر فيهلك كل شيء. وقد مضى في ﴿البقرة﴾ نحو هذا عن عكرمة ومجاهد في تفسير ﴿ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ﴾ هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم. وذكرنا هناك حديث البراء


الصفحة التالية
Icon