" صفحة رقم ٢٠٤ "
لقد زادني حباً لنفسي أنني
بغيض إلى كل امرىء غير طائل
ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه، كما أن القصر قصور فيه ونقصان. الفتاة الحديثة السن والفتاء الحداثة. قال : فقد ذهب المروءة والفتاء. وقال ابن منصور الجواليقي : المتفتية والفتاة المراهقة، والفتى الرفيق، ومنه :) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ( والفتى : العبد. ومنه :) لا يَقُلْ أَحَدَكُمُ ). الميل : العدول عن طريق الاستواء. ) يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ ( قال مجاهد واختاره أبو مسلم بن بحر الأصبهاني : هذه الآية نزلت في النساء. والمراد بالفاحشة هنا : المساحقة، جعل حدّهن الحبس إلى أن يمتن أو يتزوجن. قال : ونزلت ) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ( في أهل اللواط. والتي في النور : في ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى ( وخالف جمهور المفسرين. وبناه أبو مسلم على أصل له : وهو يرى أنه ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما أمر بالإحسان إلى النساء فذكر إيتاء صدقاتهن وتوريثهن، وقد كن لا يورثن في الجاهلية، ذكر التغليظ عليهن فيما يأتينه من الفاحشة، وفي الحقيقة هو إحسان إليهن، إذ هو نظر في أمر آخرتهن، ولئلا يتوهم أنّ من الإحسان إليهن أن لا تقام عليهن الحدود فيصير ذلك سبباً لوقوعهن في أنواع المفاسد. ولأنه تعالى لمّا ذكر حدوده وأشار بتلك إلى جميع ما وقع من أول السورة إلى موضع الإشارة، فكان في مبدأ السورة التحصن بالتزويج، وإباحة ما أباح من نكاح أربع لمن باح ذلك، استطرد بعد ذلك إلى حكم من خالف ما أمر الله به من النكاح من الزواني، وأفردهن بالذكر أولاً، لأنهن على ما قيل أدخل في باب الشهوة من الرجال، ثم ذكرهن ثانياً مع الرجال الزانين في قوله :) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ( فصار ذكر النساء الزواني مرّتين : مرة بالإفراد، ومرّة بالشمول.
واللاتي جمع من حيث المعنى للتي، ولها جموع كثيرة أغربها : اللاآت، وإعرابها إعراب الهندات.
ومعنى يأتين الفاحشة : يجئن ويغشين. والفاحشة هنا الزنا بإجماع من المفسرين، إلا ما نقل عن مجاهد وتبعه أبو مسلم في أن المراد به المساحقة، ويأتي الكلام معه في ذلك، وأطلق على الزنا اسم الفاحشة لزيادتها في القبح على كثير من القبائح. قيل : فإن قيل : القتل والكفر أكبر من الزنا، قيل : القوى المدبرة للبدن ثلاث : الناطقة وفسادها بالكفر والبدعة وشبههما، والغضبية وفسادها بالقتل والغضب وشبههما، وشهوانية وفسادها بالزنا واللواط والسحر وهي : أخس هذه القوى، ففسادها أخس أنواع الفساد، فلهذا خص هذا العمل بالفاحشة. وحجة أبي مسلم في أن الفاحشة هي السحاق قوله :) وَاللَاتِى يَأْتِينَ وَمِنْ نِسَائِكُمْ ( وفي الرجال :) وَاللَّذَانَ ( ومنكم وظاهره التخصيص، وبأن ذلك لا يكون فيه نسخ، وبأنه لا يلزم فيه التكرار. ولأن تفسير السبيل بالرجم أو الجلد والتغريب عند القائلين بأنها نزلت في الزنا، يكون عليهن لا لهن، وعلى قولنا : يكون السبيل تيسر الشهوة لهن بطريق النكاح. وردوا على أبي مسلم بأن ما قاله لم يقله أحد من المفسرين، فكان باطلاً. وأجاب : بأنه قاله مجاهد، فلم يكن إجماعاً وتفسير السبيل بالحديث الثابت :) قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ( ( الثيب ترجم والبكر تجلد ) فدل على أن ذلك في الزناة. وأجاب بأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد، وأنه غير جائز. وبأن الصحابة اختلفوا في أحكام اللوطية ولم يتمسك أحد منهم بقوله : واللذان يأتيانها منكم، فدل على أنها ليست فيهم. وأجاب بأن مطلوب الصحابة : هل يقام الحد على اللوطي وليس فيها دلالة على ذلك لا بالنفي ولا بالإثبات ؟ فلهذا لم يرجعوا إليه. انتهى. ما احتج به أبو مسلم، وما ردّ به عليه، وما أجاب به. والذي يقتضيه ظاهر اللفظ هو قول مجاهد وغيره : أن اللاتي مختص بالنساء، وهو عام أحصنت أو لم تحصن. وإن واللذان مختص بالذكور، وهو عام في المحصن وغير المحصن. فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى. ويكون هاتان الآيتان وآية النور قد استوفت أصناف الزناة، ويؤيد هذا الظاهر قوله : من نسائكم وقوله : منكم، لا يقال : إن السحاق واللواط لم يكونا معروفين في العرب ولا في


الصفحة التالية
Icon