" صفحة رقم ٢١٨ "
ضمير يعود على ما عاد عليه ضمير إنّه، فانها لا تجري عليها أحكام بئس. وإنْ كان الضمير فيها مبهماً كما يزعم أهل البصرة فتفسيره سبيلاً، ويكون المخصوص بالذم اذ ذاك محذوفاً التقدير : وبئس سبيلاً سبيل هذا النكاح، كما جاء بئس الشراب أي : ذلك الماء الذي كالمهل. وبالغ في ذم هذه السبيل، إذ هي سبيل موصلة إلى عذاب الله. وقال البراء بن عازب : لقيت خالي ومعه الراية فقلت : أين تريد ؟ قال : أرسلني رسول الله ( ﷺ ) ) إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده ان أضرب عنقه.
النساء :( ٢٣ ) حرمت عليكم أمهاتكم.....
( حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ( لما تقدم تحريم نكاح امرأة الأب على ابنه وليست أمه، كان تحريم أمه أولى بالتحريم. وليس هذا من المجمل، بل هذا مما حذف منه المضاف الدلالة المعنى عليه. لأنه إذا قيل : حرم عليك الخمر، إنما يفهم منه شربها. وحرمت عليك الميتة أي : أكلها. وهذا من هذا القبيل، فالمعنى : نكاح أمهاتكم. ولأنه قد تقدم ما يدل عليه وهو قوله :) وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النّسَاء ).
وقال محمد بن عمر الرازي : فيها عندي بحث من وجوه : أحدها : أنَّ بناء الفعل للمفعول لا تصريح فيه بأن المحرّم هو الله. وثانيها : أنّ حرمت لا يدل على التأبيد، إذ يمكن تقسيمه إلى المؤبد والمؤقت. وثالثها : أنّ عليكم خطاب مشافهة، فيختصّ بالحاضرين. ورابعها : أنّ حرمت ماض، فلا يتناول الحال والمستقبل. وخامسها : أنه يقتضي أنه يحرم على كل أحد جميع أمهاتهم. وسادسها : أنَّ حرمت يشعر ظاهره بسبق الحل، إذ لو كان حراماً لما قيل : حرمت. وثبت بهذه الوجوه أنّ ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب انتهى ملخصاً.
وهذه البحوث التي ذكرها لا تختص بهذا الموضع ولا طائل فيها، إذ من البواعث على حذف الفاعل العلم به، ومعلوم أنّ المحرّم هو الله تعالى. ألا ترى إلى آخر الآية وهو قوله :) وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاْخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ( وقال بعد :) وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ( على قراءة من بناه للفاعل. ومتى جاء التحريم من الله فلا يفهم منه إلا التأبيد، فإن كان له حالة إباحة نصّ عليها كقوله :) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ( وأما أنه صيغة ماض فيخصه فالأفعال التي جاءت يستفاد منها الأحكام الشرعية، وإن كانت بصيغة الماضي فإنها لا تخصه، فإنها نظير أقسمت لأضربن زيداً لا يراد بها أنه صدر منه إقسام في زمان ماض. فإن كان الحكم ثابتاً قبل ورود الفعل ففائدته تقرير ذلك الحكم الثابت، وإن لم كن ثابتاً ففائدته إنشاء ذلك الحكم وتجديده. وأمّا أن الظاهر أنه يحرم على كلّ أحد جميع أمهاتهم فليس بظاهر، ولا مفهوم من اللفظ. لأنّ عليكم أمهاتكم عام يقابله عام، ومدلول العموم أن تقابل كل واحد بكلّ واحد واحد. أما أن يأخذ ذلك على طريق الجمعية فلا، لأنها ليست دلالة العام. فإنما المفهوم : حرم على كل واحد واحد منكم كلّ واحدة، واحدة من أم نفسه. والمعنى : حرم على هذا أمة. وعلى هذا أمّة والأمّ المحرّمة شرعاً هي كل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك، أو من جهة أمك. ولفظ الأم حقيقة في التي ولدتك نفسه. ودلالة لفظ الأم على الجدّة إن كان بالتواطىء أو بالاشتراك، وجاز حمله على المشتركين، كان حقيقة، وتناولها النص. وإن كان بالمجاز وجاز حمله على الحقيقة والمجاز، فكذلك وإلا فيستفاد تحريم الجدّات من الإجماع أو من نصّ آخر.
وحرمة الأمهات والبنات كانت من زمان آدم عليه السلام إلى زماننا هذا، وذكروا أنّ سبب هذا التحريم : أنّ الوطء إذلال وامتهان، فصينت الأمهات عنه، إذ إنعام الأم على الولد أعظم وجوه الأنعام.
والبنت المحرّمة كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو ذكور، وبنت البنت هل تسمى بنتاً حقيقة، أو مجاز الكلام فيها كالكلام في الجدة، وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة تمجس، ذكر ذلك : النضر بن شميل في كتاب المثالب.
( وَأَخَواتُكُمْ ( الأخت المحرمة كل من جمعك وإياها صلب أو بطن