« إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (٣ ـ ٦ :
الدخان). وهى ليلة من ليالى رمضان، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :« شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ».
(١٨٥ : البقرة) ومعنى « أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » أي ابتدأنا إنزاله فى ليلة القدر، وهى الليلة التي افتتح فيها الوحى، واتصل فيها جبريل بالنبي، قائلا له :« اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ».
وقد اختلف فى أي ليلة من ليالى رمضان ليلة القدر، وأصح الأقوال أنها فى العشر الأواخر من رمضان.. واختلف كذلك أي ليلة هى فى الليالى العشر، وأصح الأقوال كذلك أنها فى الليالى الفردية، أي فى الليلة الحادية والعشرين، أو الثالثة والعشرين، أو الخامسة والعشرين أو السابعة والعشرين أو التاسعة والعشرين.. وأصح الأقوال هنا أنها الليلة السابعة والعشرون، أي الليلة السابعة من العشر الأواخر من رمضان.. وهذا ما يروى عن ابن عباس من أنه قال :« هى سابعة تمضى أو سابعة تبقى من العشر الأواخر من رمضان، وقد سئل فى هذا فقال : نظرت فى كتاب اللّه فرأيت أن اللّه سبحانه قد جعل خلق الإنسان فى سبع، فقال تعالى :« وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً. ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » (١٢ ـ ١٤ : المؤمنون) ورأيت أن اللّه سبحانه وتعالى جعل رزقه فى سبع، فقال تعالى : َأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ »
(٢٧ ـ ٣٢ : عبس) ورأيت أن اللّه خلق سبع سموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام »..
هذا وقد استظهر بعضهم أنها الليلة السابعة والعشرون، وذلك بأن عدد كلمات السورة من أولها إلى قوله تعالى :« هى » سبع وعشرون كلمة..
وهذا يعنى أن كل كلمة تعدل ليلة من ليالى رمضان، حتى إذا كانت ليلة القدر جاءت الإشارة إليها بقوله تعالى :« هى » أي هى هنا عند الكلمة السابعة والعشرين، أو الليلة السابعة والعشرين..
وفى محاولة تحديد هذه الليلة تكلف، لا تدعو إليه الحاجة، فهى ليلة من ليالى رمضان، وكفى، ولو أراد سبحانه وتعالى بيانها لبينها، وإنما أراد سبحانه إشاعتها فى ليالى الشهر المبارك كله، ليجتهد المؤمنون فى إحياء ليالى الشهر جميعه!..
وسميت ليلة « القدر » بهذا الاسم، لأنها ذات شأن عظيم، وقدر جليل، لأنها الليلة التي نزل فيها القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، إنها الليلة التي توزن فيها أقدار الناس حسب قربهم وبعدهم من كتاب اللّه، ويفرق فيها بين المحقّين والمبطلين..