الحقائق خيرها وشرها في عزة من لا ينفعه خير واقتدار من لا يضره شر هذا الطابع من الكبرياء والعظمة تراه جليا من خلال هذا الأسلوب المقتصد في حجاجه أخذا وردا المقتصد في وصفه مدحا وقدحا انظر إليه حين يجادل عن القرآن فلا يزيد في وصفه على هذه الكلمة هو الحق نعم إنها كلمة تملأ النفس ولكن هل تشبعك أيها الإنسان تلك الكلمة إذا أردت أن تصف حقيقة من الحقائق التي تقتنع بها وتحب أن تقنع بها الناس وانظر إليه بعد أن سجل على بني إسرائيل أفحش الفحش وهو وضعهم البقر الذي هو مثل في البلادة موضع المعبود الأقدس وبعد أن وصف قسوة قلوبهم في تأبيهم على أوامر الله مع حملهم عليها بالآيات الرهيبة فتراه لا يزيد على أن يقول في الأولى إن هذا ظلم وفي الثانية بئسما صنعتم أذلك كل ما تقابل به هذه الشناعات نعم إنهما كلمتان وافيتان مبقدار الجريمة لو فهمتا على وجههما ولكن الألم وحرارة الاندفاع في الانتقام بل أين الإفذاع والتشنيع وأين الإسراف والفجور الذي تراه في كلام الناس إذا أحفظوا بالنيل من مقامهم لله ما أعف هذه الخصومة وما أعز هذا الجناب وأغناه عن شكر الشاكرين وكفر الكافرين وتالله إن هذا كلام لا يصدر عن نفس بشر قلنا إن القرآن الكريم يستثمر دائما برفق أقل ما يمكن من الفظ في توليد أكثر ما يمكن من المعاني أجل تلك ظاهرة بارزة فيه كله يستوي فيها مواضع إجماله التي يسميها الناس مقام الإيجاز ومواضع تفصيله التي يسمونها مقام الإطناب ولذلك نسميه إيجازا كله لأننا