الطريق الثاني وهو أدقهما مسلكا أن المقصود الأولى من هذه الجملة وهو نفي الشبيه وإن كان يكفي لأدائه أن يقال ليس كالله شيء أو ليس مثله شيء لكن هذا القدر ليس هو كل ما ترمي إليه الآية الكريمة بل إنها كما تريد أن تعطيك هذا الحكم تيد في الوقت نفسه أن تلفتك إلى وجه حجته وطريق برهانه العقلي ألا ترى أنك إذا أردت أن تنفي عن امرئ نقيصة في خلقه فقلت فلان لا يكذب ولا يبخل أخرجت كلامك عنه مخرج الدعوى المجردة عن دليلها فإذا زدت فيه كلمة فقلت مثل فلان لا يكذب ولا يبخل لم تكن بذلك مشيرا إلى شخص آخر يماثله مبرأ من تلك النقائص بل كان هذا تبرئة له هو ببرهان كلي وهو أن من يكون على مثل صفاته وشيمه الكريمة لا يكون كذلك لوجود التنافي بين طبيعة هذه الصفات وبين ذلك النقص الموهوم على هذا المنهج البليغ وضعت الآية الحكيمة قائلة مثله تعالى لا يكون له مثل تعني أن من كانت له تلك الصفات الحسنى وذلك المثل الأعلى لا يمكن أن يكون له شبيه ولا يتسع الوجود لاثنين من جنسه فلا جرم جيء فيها بلفظين كل واحد منهما يؤدي معنى المماثلة ليقوم أحدهما ركنا في الدعوى والآخر دعامة لها وبرهانا فالتشبيه المدلول عليه بالكاف لما تضرب إليه النفي تأدى به أصل التوحيد المطلوب ولفظ المثل المصرح به في مقام لفظ الجلالة أو ضميره نبه على برهان ذلك المطلوب واعلم أن البرهان الذي ترشد إليه الآية على هذه الوجه برهان طريف في إثبات وحدة الصانع لا نعلم أحدا من علماء الكلام حام حوله فكل براهينهم في الوحدانية قائمة على إبطال التعدد بإبطال لوازمه وآثاره العملية حسبما أرشد إليه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله


الصفحة التالية
Icon