نقول أما الأول فإنه لم يدع تلك المقدمة المطوية إلا بعد أن رفع لها علمين من جانبيها يدلان على مكانها ويوحيان بها إلى النفس من وراء حجاب فقد أقام عن يمينها كلمة لو الامتناعية التي صدر بها المقدمة الأولى دلالة على أنه لا يكون منه هذا التعجيل وعن يسارها حرف التفريع التي صدر به النتيجة في قوله فنذر لكي ينم على أن لهذا الفرع أصلا من جنسه يقال فيه ولكن شأنه أن يذر الناس فلذلك يذر هؤلاء ولما كانت الفاء وحدها ليست نصا في المطلوب لأنها كما تكون للتفريع تكون لمجرد العطف فربما اتصل القارئ عاطفا بها على جزاء الشرط قبلها من قبل أن يتبين له فساد المعنى لو عطف لم يكتف بالفاء بل عززها بقوتين أخريين إذ حول صيغة النتيجة من الماضي إلى المضارع ثم من الغيبة إلى التكلم ليكون هذا الانقطاع اللفظي بينها وبين ما قبلها إيذانا بانقطاعها عنه معنى وإذنا بالوقوف دونها حتى لا تقع النفس لحظة ما في أدنى اضطراب أو لبس ذلك إلى ما في هذا التحويل من الافتنان في الأسلوب تجديدا لنشاط السامع ومن إلقاء الرعب في القلوب بصدور نطق الوعيد والاستدراج على لسان الجبروت الملكي نفسه أما الثاني فإنه لما حذف طرفين من الأطراف الأربعة لم يحذفهما من جنس واحد بل أبقى من كل زوجين واحدا هو نظير ما حذفه من صاحبه لينبه بالمذكور على المحذوف فكانت كلمة التعجيل منبهة على نظيرتها في المشبه به وكلمة الاستعجال منبهة على مقابلتها في المشبه أما الثالث فإنه نبه به على معنى هو غاية في اللطف وهو سر الإمهال وحكمة عدم التعجيل من الله ذلك بأنه صور هذا التعجيل


الصفحة التالية
Icon