ونرى قوله - سبحانه - : وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. إلى قوله - تعالى - : خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً.
وهكذا نرى السورة تسوق آيات كثيرة في المقارنة بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين..
وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة... (١)
في السورة صور عديدة لمواقف الكفار من النبي - ﷺ - وأقوالهم وتعجيزاتهم.
وحملة تقريعية وإنذارية عليهم. وردود مفحمة ببراهين على قدرة اللّه وعظمته وربوبيته. وتذكير ببعض الأمم السابقة ومصائرهم. وتنويه بالمؤمنين الصالحين وأخلاقهم وحسن عاقبتهم.
وبين موضوعاتها وموضوعات السورة السابقة شيء غير يسير من التشابه والتساوق مما يمكن أن يكون قرينة على صحة ترتيب نزولها بعدها. ونظم السورة مسجع وموزون أكثر منه مرسلا. وفصولها مترابطة. وهذا وذاك مما يسوغ القول بوحدة نزولها أو تلاحق فصولها في النزول. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [٦٨ - ٧٠] مدنيات. وانسجامها مع السياق والأسلوب وبروز الطابع المكي عليها مما يحمل على الشك في الرواية. وقد روى الطبري تفنيدا للرواية وتوكيدا بمكية الآيات. وهناك حديث رواه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سنورده في ما بعد جاء فيه أن الآية [٧٠] مكية وهذه الآية جزء لا يتجزأ من الآيتين السابقتين لها حيث يؤيد كل هذا شكّنا في الرواية. (٢)
مكية، وهي سبع وسبعون آية.
تسميتها : سميت سورة الفرقان لافتتاحها بالثناء على اللّه عزّ وجلّ الذي نزل الفرقان، هذا الكتاب
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبة سورة الفرقان لسورة النور من وجوه : أهمها : أن سورة النور ختمت بأن اللّه تعالى مالك جميع ما في السموات والأرض، وبدئت سورة الفرقان بتعظيم اللّه الذي له ملك السموات والأرض من غير ولد ولا شريك في الملك.
وأوجب اللّه تعالى في أواخر سورة النور إطاعة أمر النبي - ﷺ -، وأبان مطلع الفرقان وصف دستور الطاعة، وهو هذا القرآن العظيم الذي يرشد العالم لأقوم طريق.
وتضمنت سورة النور القول في الإلهيات، وأبانت ثلاثة أنواع من دلائل التوحيد : أحوال السماء والأرض، والآثار العلوية من إنزال المطر وكيفية تكون الثلج والبرد، وأحوال الحيوانات، وذكر في
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٣ / ٤٧)