وتلخيص اللفظ على الأوجه الثلاثة أن نقول التقدير وأغنى مغنٍ والمغني الكافي ولا يتغير معناه عن ذلك في الوجوه كلها وإنما المعاني الثلاثة في لفظ أغنى ولولا تقدير المضاف المحذوف للزم نصب غناء؛ لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما أفعل بعضه والقرآن ليس بعض الكفاية فيجب النصب كقولك هو أفره عبدا بالنصب إذا كانت الرفاهية في العبد وهو ليس بعبد وواهيا ومتفضلا حالان من الضمير في أغنى العائد على كتاب الله تعالى، وقيل النصب على التمييز كقولك هو أغناهم أبا وقيل إن قلنا إن أغنى بمعنى أثرى فالنصب على التمييز وإن قلنا بالوجهين الآخرين فالنصب على الحال، وقد بينا فساد هذين القولين١ في الكتاب الكبير والله أعلم.
١١-
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ | وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً |
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "مثل صاحب القرآن مثل جراب مملوء مسكًا يفوح به كل مكان".
فأي جليس أفضل منه؟ والترداد بفتح التاء: مصدر ردده ترديدا وتردادا والهاء المتصلة به تعود على القارئ أو على القرآن العزيز؛ لأن المصدر يجوز إضافته إلى افاعل وإلى المفعول فهو كما سبق في قوله بتحريه والضمير المستكن في يزداد يحتمل الأمرين، والهاء في فيه عائدة على الترداد وفيه بمعنى به أي يزداد القرآن بالترداد تجملا لما يظهر من تلاوته ونوره وحلاوته وفصاحته أو يزداد القارئ بالترداد تجملا لما يقتبس من فوائده وآدابه وجزيل ثوابه، ويجوز أن يكون الضمير في يزداد للترداد وفي فيه للقارئ وتكون فيه على ظاهرها لا بمعنى به وتجمل الترداد يئول إلى جمال حاصل في القارئ وزينة له والله أعلم.
١٢-
وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فيِ ظُلُمَاتِهِ | مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَناً مُتَهَلِّلاً |
١ لا يظهر وجه فساد القولين، غير أن يقال: إذا جعل واهبا ومنفضلا تمييزان، يصير معناه أغنى ذوي غناء هبة وتفضلا فيكون نسبة أغنى في الحقيقة إلى الهبة والتفضل، وهذا ليس بلائح الوجه إلا على طريقة المجاز، هذا غاية ما يمكن في توجيه الفساد، وفيه ما فيه.
٢ سورة الحاقة، آية: ٢٨.
٣ سورة الزمر، آية: ٢٣.
٢ سورة الحاقة، آية: ٢٨.
٣ سورة الزمر، آية: ٢٣.