الشَّمْسِ حَتَّى قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ كَسَّرَ أَصْنَامَهُمْ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُحَاجَّةِ فِي الدِّينِ وَاسْتِعْمَالِ حُجَجِ الْعُقُولِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِدَلَائِل اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَوْحِيدِهِ وَصِفَاتِهِ الْحُسْنَى وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُوجَ الْمُنْقَطِعَ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ الْحُجَّةِ وَتَرْكُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ وَتَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْحِجَاجَ فِي إثْبَاتِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا حَاجُّهُ إبراهيم عليه السّلام وتدل على أن المحجوج عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا أُلْزِمَ مِنْ الْحِجَاجِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ مَخْرَجًا صَارَ إلَى مَا يَلْزَمُهُ وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ سَبِيلُهُ أن لا يُقْبَلَ بِحُجَّتِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إلَّا بِظُهُورِ حُجَّةِ الْحَقِّ وَدَحْضِ حُجَّةِ الْبَاطِلِ وَإِلَّا فَلَوْلَا الْحُجَّةُ الَّتِي بَانَ بِهَا الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ لَكَانَتْ الدَّعْوَى مَوْجُودَةً فِي الْجَمِيعِ فَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ وَأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ مَا نَصَبَ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى تَوْحِيدِهِ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ إنَّمَا حَاجُّوا الْكُفَّارَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصِفَةٍ تُوجِبُ التَّشْبِيهَ وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِأَفْعَالِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَيْهِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا وَقَدْ أَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدِي أَنِّي لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بعض يوم وَقَدْ كَانُوا لَبِثُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ وَلَمْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِيمَا أَخْبَرُوا عَمَّا عِنْدَهُمْ كَأَنَّهُمْ قالوا عندنا في ظنوننا إنما لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَنَظِيرُهُ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى ركعتين وسلم في إحدى صلاة العشاء فقال له ذو اليدين أقصرت الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيَتْ فَقَالَ لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ فِي ظَنِّهِ وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا فَهَذَا كَلَامٌ سَائِغٌ جَائِزٌ غَيْرُ مَلُومٍ عَلَيْهِ قَائِلُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَظَنِّهِ لَا عَنْ حَقِيقَةِ مُخْبِرِهِ وَلِذَلِكَ عَفَا اللَّهُ عَنْ الْحَالِفِ بِلَغْوِ الْيَمِينِ وهو فيما روى قول الرجل لمن سأله هَلْ كَانَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ عَلَى مَا عِنْدَهُ لَا وَاَللَّهِ أَوْ يَقُولُ بَلَى وَاَللَّهِ وإن اتفق مخبره خِلَافِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ عَقِيدَتِهِ وَضَمِيرِهِ والله الموفق.
بَابُ الِامْتِنَانِ بِالصَّدَقَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ