فِي الْمَسِيحِ فَجَاوَزُوا بِهِ مَنْزِلَةَ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى اتَّخَذُوهُ إلَهًا وَالْيَهُودُ غَلَتْ فِيهِ فَجَعَلُوهُ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ فَغَلَا الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا فِي أَمْرِهِ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ هُوَ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الْحَقِّ فِيهِ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ حَصَيَاتٍ لِرَمْيِ الْجِمَارِ قَالَ فَنَاوَلْته إيَّاهَا مِثْلَ حَصَا الْخَذْفِ «١» فَجَعَلَ يُقَلِّبُهُنَّ بِيَدِهِ وَيَقُولُ بِمِثْلِهِنَّ بِمِثْلِهِنَّ إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي دِينِهِمْ وَلِذَلِكَ قِيلَ دِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْمُقَصِّرِ وَالْغَالِي
قَوْله تَعَالَى وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ قِيلَ فِي وَصْفِ الْمَسِيحِ بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ عِيسَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَهُوَ قوله كُنْ فَيَكُونُ لَا عَلَى سَبِيلِ مَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِهِ مِنْ حُدُوثِهِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا وَالثَّانِي أَنَّهُ يُهْتَدَى بِهِ كَمَا يُهْتَدَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَالثَّالِثُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِشَارَةِ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أنبيائه وأما قوله تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ فَلِأَنَّهُ كَانَ بِنَفْخَةِ جِبْرِيلَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَالنَّفْخُ يُسَمَّى رُوحًا كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
فَقُلْت لَهُ أرفعها إليك وأحيها | بروحك واقتته لها قيتة قدرا |
قَوْله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ بِمَعْنَى لِئَلَّا تَضِلُّوا فَحَذَفَ لَا كَمَا تُحْذَفُ مَعَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِك وَاَللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا أَيْ لَا أَبْرَحُ قَالَ الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذوحيد «٢» مَعْنَاهُ لَا يَبْقَى وَقِيلَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ كراهة أن تضلوا كقوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يعنى أهل القرية.
سورة المائدة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ روى عن ابن عباس ومجاهد ومطرف(٢) قوله ذوحيد هو الثور الوحشي والحيد بكسر وفتح جمع حيد بفتح وسكون وهو ما النوى من القرن.