البقرة (١٦)
مسلكه نكَبوا إلى شعاب التأويل فأجابوا أولاً بأنهم لما أصرّوا على كفرهم خذلهم الله تعالى ومنعهم ألطافَه فتزايد الرَّيْنُ في قلوبهم فسُمِّي ذلك مدداً في الطغيان فأُسند إيلاؤه إليه تعالى ففي السند مجازٌ لغوي وفي الإسناد مجاز عقلي لأنه إسناد للفعل إلى المسبِّب له وفاعله الحقيقي هم الكفرة وثانياً بأنه أريد بالمد في الطغيان ترك القسر والإلحاد إلى الإيمان كما في قوله تعالى ﴿وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ فالمجاز في المسند فقط وثالثاً بأن المراد معناه الحقيقي وهو فعل الشيطان لكنه أُسند إليه سبحانه مجازاً لأنه بتمكينه تعالى وإقداره
أولئك إشارةٌ إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بما ذكر من الصفات الشنيعة المميِّزة لهم عمن عداهم أكملَ تمييز بحيث صاروا كأنهم حُضّارٌ مشاهِدون على ما هم عليه وما فيه من معنى البعد للإيذانِ ببُعدِ منزلتِهم في الشر وسوء الحال ومحلُه الرفعُ على الابتداء خبرُه قوله تعالى ﴿الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ والجملة مَسوقةٌ لتقرير ما قبلها وبيانٌ لكمال جهالتِهم فيما حُكيَ عنهم من الأقوال والأفعال بإظهار غايةِ سماجتها وتصويرِها بصورةِ مالا يكاد يتعاطاه مَنْ له أدنى تمييزٍ فضلاً عن العقلاء والضلالةُ الجَوْرُ عن القصد والهدى التوجهُ إليه وقد استعير الأول للعدول عن الصواب في الدين والثاني للاستقامة عليه والاشتراء استبدال السلعة بالثمن أي أخذُها به لا بذلُه لتحصيلها كما قيل وإن كان مستلزِماً له فإن المعتبرَ في عقد الشراء ومفهومِه هو الجلبُ دون السلب الذي هو المعتبرُ في عقد البيع ثم استعير لأخذ شيءٍ بإعطاء ما في يده عيناً كان كلٌّ منهما أو معنى لا للإعراض عما في يده محصَّلاً به غيرُه كما قيل وإن استلزمه لما مر سرُّه ومنه قوله
أخذت بالجُمّة رأسا أزعرا | وبالثنايا الواضحاتِ الدردرا |
وبالطويل العُمْرِ عُمْرا جيدرا | كما اشترى المسلمُ إذ تنصَّرا |