٤٦ - ٤٧ آل عمران
المشرّفة كالصّدّيق وأصلُه بالعبرية مشيحاً ومعناه المبارَك وعيسى معرّبٌ من إيشوع والتصدّي لاشتقاقهما من المسْح والعَيْس وتعليلُه بأنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسلام مُسِحَ بالبركة أو بما يطهِّره من الذنوب أو مسَحَه جبريلُ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ أو مسَح الأرضَ ولم يُقِمْ في موضع أو كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يمسَح ذا العاهةِ فيبرَأُ وبأنه كان في لونه عيس أي بياض يغلوه حُمرةٌ من قبيل الرَّقْم على الماء وإنما قيل ابنُ مريم مع كون الخطابِ لها تنبيهاً على أنه يُولدُ من غير أبٍ فلا يُنسب إلا إلى أمه وبذلك فُضّلت على نساء العالمين
﴿وَجِيهًا فِي الدنيا والاخرة﴾ الوجيهُ ذو الجاه وهو القوةُ والمنَعةُ والشرَفُ وهو حالٌ مقدرةٌ من كَلِمَةَ فإنها وإن كانت نكرةً لكنها صالحة لأن ينتصِبَ بها الحال وتذكيرُها باعتبار المعنى والوجاهةُ في الدنيا النبوةُ والتقدمُ على الناس وفي الآخرة الشفاعةُ وعلوُّ الدرجة في الجنة
﴿وَمِنَ المقربين﴾ أي من الله عز وجل وقيلَ هُو إشارةٌ إلى رفعه إلى السماء وصُحبةِ الملائكة وهو عطفٌ على الحال الأولى وقد عُطف عليه قولُه تعالى
﴿وَيُكَلّمُ الناس فِى المهد وَكَهْلاً﴾ أي يكلمهم حال كونِه طفلاً وكهلاً كلام الأنبياء من غير تفاوت والمهدُ مصدرٌ سُمِّي به ما يُمْهَد للصبيِّ أي يُسوَّى من مضجعه وقيل انه شاربا رفع والمراد وكهلاً بعد نزوله وفي ذكر أحوالِه المختلفة المتنافيةِ إشارةٌ إلى أنه بمعزلٍ من الألوهية
﴿وَمِنَ الصالحين﴾ حال أخرى من كلمة معطوفة على الأحوال السالفة أو من الضميرِ في يكلم
﴿قَالَتْ﴾ استئنافٌ مبنيٌّ على السؤالِ كأنه قيل فماذا ظقالت مريمُ حين قالت لها الملائكةُ ما قالت فقيل قالت متضرعةً إلى ربها
﴿رَبّ أنى يَكُونُ﴾ أي كيف يكونُ أو من أين يكون
﴿لِى وَلَدٌ﴾ على وجه الاستبعاد العادي والتعجب واستعظامِ قدرةِ الله عز وجل وقيل على وجه الاستفهامِ والاستفسارِ بأنه بالتزوج أو بغيره ويكون إما تامةٌ وأنى واللام متعلقتان بها وتأخيرُ الفاعل عن الجار والمجرور لما مرَّ من الاعتناء بالمقدَّمِ والتشويق إلى المؤخر ويجوز أن تتعلق اللامُ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من ولد إذ لو تأخرَ لكانَ صفةً لهُ وإما ناقصةٌ واسمُها ولد وخبرها إما أنى واللام متعلقة بمضمر وقع حالاً كما مر أو خبر وأنى نصبَ على الظرفية وقوله تعالى
﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ﴾ جملةٌ حالية محقّقةٌ للاستبعاد أي والحال أني على حالة منافيةٍ للولادة
﴿قَالَ﴾ اسئناف كما سلف والقائلُ هو اللَّهُ تعالى أو جبريلُ عليه الصلاة والسلام
﴿كذلك الله يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ الكلامُ في إعرابه كما مرَّ في قصَّةِ زكريا بعينه خلا أن إيراد يخلق ههنا مكانَ يفعلُ هناك لما أن ولادةَ العذراءِ من غير أن يمسَّها بشرٌ أبدعُ وأغربُ من ولادة عجوزٍ عاقرٍ من شيخ فان فكان الخلق المنبئ عن الاختراع أنسبَ بهذا المقام من مطلق الفعل ولذلك عقّب ببيان كيفيته فقيل
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ من الأمور أي أراد شيئاً كما في قوله تعالى ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً﴾ وأصلُ القضاءِ الإحكام أطلق على الإرادة الإلهية القطعيةِ المتعلقةِ بوجود الشئ لإيجابها إياه


الصفحة التالية
Icon