١٠٣ - آل عمران
لله تعالى لا تجعلون فيها شِرْكةً لما سواه أصلاً كما في قوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وهو استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوال أي لاتموتن على حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ تحققِ إسلامِكم وثباتكم عليه كما ينبئ عنه الجملةُ الاسميةُ ولو قيل إلا مسلمين لم يفد فائدتها والعاملُ في الحال ما قبل إِلا بعد النقض وظاهرُ النظمِ الكريمِ وإنْ كانِ نهياً عن الموت المقيَّد بقيدٍ هو الكونُ على أي حال من غيرِ حالِ الإسلام لكنَّ المقصودَ هو النهيُ عن ذلك القيدِ عند الموتِ المستلزمِ للأمر بضده الذي هو الكونُ على حال الإسلامِ حينئذ وحيث كان الخطابُ للمؤمنين كان المرادُ إيجابَ الثباتِ على الإسلام إلى الموت وتوجيهه النهي إلى الموت للمبالغةِ في النَّهيِ عن قيده المذكور فإنه النهى عن المقيد في أمثاله نهيٌ عن القيد ورفعٌ له من أصله بالكلية مفيدٌ لما لا يفيده النهيُ عن نفس القيدِ فإن قولَك لاتصل إلا وأنت خاشعٌ يفيد من المبالغة في إيجاب الخشوع في الصلاة مالا يفيده قولُك لا تترُكِ الخشوعِ في الصلاة لما أن هذا نهيٌ عن ترك الخشوعِ فقط وذاك نهيٌ عنه وعما يقارِنُه ومفيدٌ لكون الخشوعِ هو العمدةَ في الصلاة وأن الصلاةَ بدونه حقُّها أن لا تُفعل وفيه نوعُ تحذيرٍ عما وراءَ الموتِ وقوله عز وجل
﴿واعتصموا بِحَبْلِ الله﴾ أي بدين الإسلامِ أو بكتابه لقوله عليه الصلاة والسلام القرآنُ حبلُ الله المتينُ لاتنقضى عجائبُه ولا يخلَقُ من كثرة الردِّ مَنْ قال به صدَقَ ومن عمِل به رَشَد ومن اعتصم به هُديَ إلى صراط مستقيم إما تمثيلٌ للحالة الحاصلةِ من استظهارهم به ووثوقِهم بحمايته بالحالة الحاصلةِ من تمسك المتدلي من مكان رفيعٍ بحبل وثيقٍ مأمونِ الانقطاعِ من غير اعتبار مجازٍ في المفردات وإما استعارةٌ للحبل لما ذُكر من الدين أو الكتاب والاعتصام ترشيحٌ لها أو مستعارٌ للوثوق به والاعتمادِ عليه
﴿جَمِيعاً﴾ حالٌ من فاعلِ اعتصموا أي مجتمعين في الاعتصام
﴿وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ أي لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلافِ بينكم كأهل الكتابِ أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية يحارب بعضُكم بعضاً أو لا تحدثوا ما يوجب التفريق ويُزيل الأُلفةَ التي أنتم عليها
﴿واذكروا نِعْمَةَ الله﴾ مصدر مضافٌ إلى الفاعل وقولُه تعالى
﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلقٌ به أو بمحذوفٍ وقع حالا منه وقوله تعالى
﴿إِذْ كُنتُم﴾ ظرفٌ له أو للاستقرار في عليكم أي اذكروا إنعامه عليكم أو اذكروا إنعامة متسقرا عليكم وقت كونِكم
﴿أَعْدَاء﴾ في الجاهلية بينكم إلامن والعداواتُ والحروبُ المتواصلة وقيل هم الأوسُ والخزرجُ كانا أخوَين لأب وأمٍ فوقعت بين أولادِهما العداوةُ والبغضاءُ وتطاولت الحروبُ فيما بينهم مائةً وعشرين سنةً
﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ بتوفيقكم للإسلام
﴿فَأَصْبَحْتُم﴾ أي فصِرْتم
﴿بِنِعْمَتِهِ﴾ التي هي ذلك التأليفُ
﴿إِخْوَانًا﴾ خبرُ أصبحتم أي إخواناً متحابّين مجتمعين على الأُخوّة في الله متراحمين متناصحين متفقين على كلمة الحقِّ وقيل معنى فأصبحتم فدخلتم في الصباح فالباء حينئذ متعلقةٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من الفاعل وكذا إخوانا أي فأصبحتم