١٢٥ - آل عمران
بالتقوى لإظهار كمالِ العنايةِ به والمرادُ به الوقتُ الممتدُ الذي وقع فيه ما ذكر بعده وما طُويَ ذكرُه تعويلا على شهادة الحالِ مما يتعلق به وجودُ النصرِ وصيغةُ المضارعِ لحكايةِ الحالِ الماضيةِ لاستحضار صورتِها أي نصركم وقت قولك
﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ حين أظهروا العجزَ عن المقاتلة قال الشعبي بلغ المؤمنين أن كُرْزَ بنَ جابرٍ الحنفي يريد أن يُمِدَّ المشركين فشق ذلك على المؤمنين فنزل حينئذ ثم حكى ههنا
﴿أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ ربكم بثلاثة آلافٍ﴾ الكفايةُ سدُّ الخَلّةِ والقيامُ بالأمر والإمدادُ في الأصل إعطاءُ الشئ حالاً بعد حال قال المفضّل ما كان منه بطريق التقويةِ والإعانةِ يقال فيه أمَدَّه يُمِدُّه إمداداً وما كان بطريق الزيادة يقال فيه مَدَّه يمُدّه مداً ومنه والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ وقيل المَدّ في الشر كما في قوله تعالى ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وقولِه ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً﴾ والإمدادُ في الخير كما في قوله تعالى ﴿وأمددناكم بأموال وَبَنِينَ﴾ والتعرض لعنوان الربوبية ههنا وفيما سيأتي مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار العنايةِ بهم والإشعارِ بعلةِ الإمداد والمعنى إنكارُ عدمِ كفايةِ الإمدادِ بذلك المقدار ونفيُه وكلمة لَنْ للإشعار بأنهم كانوا حينئذ كالآيسين من النصر لضعفهم وقلّتِهم وقوةِ العدوّ وكثرتهم
﴿مِنَ الملائكة﴾ بيانٌ أو صفة لآلافٍ أو لما أُضيف إليه أي كائنين من الملائكة
﴿مُنزَلِينَ﴾ صفةٌ لثلاثةِ آلافٍ وقيل حال من الملائكة وقرئ منزلين بالتشديد للتكثير أو للتدريج قيل امدهم الله تعالى أولا بألف ثم صاروا ثلاثة آلافٍ ثم خمسةِ آلافٍ وقرئ مبنياً للفاعل من الصيغتين أي مُنزِلين النصرَ
﴿بلى﴾ إيجابٌ لما بعدَ لَنْ وتحقيقٌ له أي بلى يكفيكم ذلك ثم وعد لهم الزيادةَ بشرط الصبرِ والتقوى حثاً لهم عليهما وتقويةً لقلوبهم فقال
﴿إِن تَصْبِرُواْ﴾ على لقاء العدو ومناهضتِهم
﴿وَتَتَّقُواْ﴾ معصيةَ الله ومخالفةَ نبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
﴿ويأتوكم﴾ أي المشركين
﴿مّن فَوْرِهِمْ هذا﴾ أي من ساعتهم هذه وهو في الأصل مصدرُ فارَت القِدرُ أي اشتد غَلَيانُها ثم استُعير للسرعة ثم أُطلق على كل حالةٍ لا ريث فيها أصلاً ووصفُه بهذا لتأكيد السرعةِ بزيادة تعيينِه وتقريبِه ونظمُ إتيانِهم بسرعة في سلك شرطَي الإمداد المستتبِعَيْن له وجوداً وعدماً أعني الصبرَ والتقوى مع تحقق الإمدادِ لا محالةَ سواءٌ أسرعوا أو أبطئوا لتحقيق سرعة الإمداد لا لتحقيق أصلِه أو لبيانِ تحقّقِه على أي حال فُرِضَ على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه بتعليقه بأبعدِ التقاديرِ ليُعلم تحقُّقُه على سائرها بالطريق الأوْلى فإن هجومَ الأعداءِ وإتيانَهم بسرعة من مظانّ عدمِ لُحوق المددِ عادةً فعُلِّق به تحققُ الإمدادِ إيذاناً بأنه حيث تحقَّقَ مع ما ينافيه عادةً فلأَنْ يتحقَّقَ بدونه أولى وأحرى كما إذا أردتَ وصفَ درعٍ بغاية الحَصانة تقول إن لبستَها وبارزتَ بها الأعداءَ فضربوك بأيدٍ شدادٍ وسيوفٍ حِدادٍ لم تتأثرْ منها قطعاً
﴿يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسَوّمِينَ﴾ من التسويم الذي هو إظهارُ سيما الشيءِ أي مُعْلِمين أنفسَهم أو خيلَهم فقد رُوي أنهم كانوا بعمائمَ بيضٍ إلا جبريلَ عليهِ السَّلامُ فإنَّه كان بعمامة صفراءَ على مثال الزبير بنِ العوام وروى