١٢٩ - ١٣٠ ١٣١ آل عمران
بصدد بيانِ انتفائِه مما لم يُعهدْ في كلام الناسِ فضلاً عن الكلام المَجيد فالحق الذي لا محيد عنه أن قولَه تعالى إِذْ تَقُولُ ظرفٌ لنصرَكم وأن ما حُكي في أثنائه إلى قوله تعالى خَائِبِينَ متعلقٌ بيومِ بدرٍ قطعاً وما بعده محتملٌ الوجهين المذكورين وقوله تعالى
﴿فَإِنَّهُمْ ظالمون﴾ تعليلٌ على كل حال لقوله تعالى أَوْ يُعَذّبَهُمْ مبينٌ لكون ذلك من جهتهم وجزاءٌ لظلمهم
﴿ولله ما في السماوات وَمَا فِي الارض﴾ كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان اختصاصِ ملكوتِ كلِّ الكائناتِ به عزَّ وجلَّ إثرَ بيانِ اختصاصِ طرَفٍ من ذلك به سبحانه تقريراً لما سبق وتكملةً له وتقديمُ الجارِّ للقصر وكلمةُ مَا شاملةٌ للعقلاء أيضاً تغليباً أي له مَا فِيهمَا مِنَ الموجوداتِ خلقاً ومُلكاً لا مدخَلَ فيه لأحد أصلاً فله الأمرُ كلُّه
﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء﴾ أنْ يغفر له مشيئة مبنية على الحكم والمصالح
﴿وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء﴾ أنْ يعذِّبَه بعمله مشيئةً كذلك وإيثارُ كلمة مِنْ في الموضعين لاختصاص المغفرةِ والتعذيبِ بالعقلاء وتقديمُ المغفرة على التعذيب للإيذان بسبق رحمتِه تعالى غضبَه وبأنها من مقتَضيات الذاتِ دونه فإنه من مقتضيات سيئاتِ العُصاة وهذا صريحٌ في نفي وجوبِ التعذيبِ والتقييدُ بالتوبة وعدمِها كالمنافي له
﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ تذييلٌ مقررٌ لمضمونِ قولِه تعالى يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء مع زيادة وفي تخصيص التذييلِ به دون قرينةٍ من الاعتناء بشأن المغفرةِ والرحمةِ ما لا يخفى
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا﴾ كلامٌ مبتدأٌ مشتمِلٌ على ما هو مَلاكُ الأمرِ في كل باب لا سيما في باب الجهادِ من التقوى والطاعةِ وما بعدهما من الأمور المذكورةِ على نهج الترغيبِ والترهيبِ جيء به في تضاعيفِ القصةِ مسارعةً إلى إرشاد المخاطَبين إلى ما فيه وإيذاناً بكمالِ وجوبِ المحافظةِ عليه فيمَا هُم فيهِ من الجهاد فإن الأمورَ المذكورةَ فيه مع كونها مناطاً للفوز في الدارين على الإطلاق عُمدةٌ في أمر الجهادِ عليها يدورُ فلكُ النُّصرةِ والغلَبة كيف لا ولو حافظوا على الصبر والتقوى وطاعة الرسول ﷺ لما لقُوا ما لقُوا ولعل إيرادَ النهي عن الربا في أثنائها لِما أن الترغيبَ في الإنفاق في السراء والضراءِ الذي عُمدتُه الإنفاقُ في سبيل الجهادِ متضمنٌ للترغيب في تحصيل المالِ فكان مظِنةَ مبادرة الناس إلى طرق الاكتساب ومن جملتها الربا فنُهوا عن ذلك والمرادُ بأكله أخذُه وإنما عُبر عنه بالأكل لما أنه مُعظم ما يقصَد بالأخذ ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة تشنيع وقوله عز وجل
﴿أضعافا مضاعفة﴾ ليس لتقييد النهي به بل لمراعاةِ ما كانوا عليه من العادة توبيخاً لهم بذلك إذ كان الرجلُ يُرْبي إلى أجلٍ فإذا حل قال للمَدين زدْني في المال حتى أزيدك في الأجل فيفعلُ وهكذا عند محلِّ كلِّ أجلٍ فيستغرق بالشيء الطفيفِ مالَه بالكلية ومحلُّه النصبُ عَلى الحاليّةِ من الربا وقرئ مُضَعَّفَةً
﴿واتقوا الله﴾ فيما نهيتم عنه من الأمور التي من جملتها الربا
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ راجين للفلاح
﴿واتقوا النار التى أُعِدَّتْ للكافرين﴾