١٣٥ - آل عمران
أي التاركين عقوبةَ من استحق مؤاخذتَه رُوي أنه ينادي منادٍ يومَ القيامة أين الذين كانت أجورُهم على الله تعالى فلا يقوم إلا من عفا وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم إن هؤلاءِ في أمتي قليلٌ ألا من عصَم الله وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت وفي هذين الوصفين إشعارٌ بكمال حُسنِ موقعِ عفوِه عليه الصلاة والسلام عن الرماة وتركِ مؤاخذتِهم بما فعلوا مخالفة أمرِه عليه السلام وندبٌ له عليه السَّلامُ إلى ترك ما عزَم عليه من مجازاة المشركين بما فعلوا بحمزة رضي الله عنه حيث قال حين رآه قد مُثِّل به لأمثّلنّ بسبعين مكانك
﴿والله يُحِبُّ المحسنين﴾ اللامُ إما للجنس وهم داخلون فيه دخولاً أولياً وإما للعهد عبّر عنهم بالمحسنين إيذاناً بأن النعوتَ المعدودةَ من باب الإحسانِ الذي هو الإتيانُ بالأعمال على الوجه اللائقِ الذي هو حسنُها الوصفيُّ المستلزِمُ لحسنها الذاتي وقد فسره عليه السلام بقولِه أنْ تعبدَ الله كأنَّك تراهُ فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّهُ يَرَاكَ والجملةُ تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلَها
﴿والذين﴾ مرفوعٌ على الابتداء وقيل مجرورٌ معطوفٌ على ما قبله من صفات المتقين وقوله تعالى ﴿والله يُحِبُّ المحسنين﴾ اعتراضٌ بينهما مشيرٌ إلى ما بينهما من التفاوت فإن درجةَ الأولين من التقوى أعلى من درجة هؤلاءِ وحظِّهم اوفى من حظهم أو على نفس المتقين فيكونُ التفاوتُ أكثرَ وأظهرَ
﴿إِذَا فَعَلُواْ فاحشة﴾ أي فَعلةً بالغةً في القُبح كالزنا
﴿أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ﴾ بأن أتَوْا ذنباً أيَّ ذنبٍ كان وقيل الفاحشةُ الكبيرةُ وظلمُ النفسِ الصغيرة أو الفاحشةُ ما يتعدّى إلى الغير وظلمُ النفس ما ليس كذلك قيل قال المؤمنون يا رسولَ الله كانت بنو إسرائيلَ أكرمَ على الله تعالى منا كان أحدُهم إذا أذنب أصبحت كفارةُ ذنبِه مكتوبةً على عَتَبة دارِه افعلْ كذا فأنزل الله تعالى هذه الآيةَ وقيل إن نبهانَ التمار أتتْه امرأةٌ حسناءُ تطلُب منه تمراً فقال لها هذا التمرُ ليس بجيد وفي البيت أجودُ منه فذهب بها إلى بيته فضمّها إلى نفسه وقبّلها فقالت له اتق الله فتركها وندِم على ذلك وأتى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وذكر له ذلك فنزلت وقيل جرى مثلُ هذا بين أنصاري وإمرأة ورجل ثقفي كان بينهما مؤاخاةٌ فندم الأنصاريُّ وحثا على رأسه الترابَ وهام على وجهه وجعل يسيح في الجبال تائباً مستغفِراً ثم أتى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم فنزلت وأياً ما كان فإطلاقُ اللفظِ ينتظم ما فعله الزُناةُ انتظاماً أولياً
﴿ذَكَرُواْ الله﴾ تذكّروا حقَّه العظيمَ وجلالَه الموجبَ للخشية والحياء أو وعيدَه أو حُكمَه وعقابَه
﴿فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ﴾ بالتوبة والندمِ والفاءُ للدَلالة على أن ذكرَه تعالى مستتبعٌ للاستغفار لا محالة
﴿وَمَن يَغْفِرُ الذنوب﴾ استفهامٌ إنكاريٌّ والمرادُ بالذنوب جنسُها كما في قولك فلانٌ يلبَس الثيابَ ويركب الخيلَ لا كلُّها حتى يُخِلّ بما هو المقصودُ من استحالة صدورِ مغفرةِ فردٍ منها عن غيره تعالى وقوله تعالى
﴿إِلاَّ الله﴾ بدلٌ من الضَّمير المستكِّنِ في يغفر أي لا يغفرُ جنسَ الذنوبِ أحدٌ إلا الله خلا أن دلالة الإستفهام على الانتفاء أقوى وأبلغُ لإيذانه بأن كلَّ أحدٍ ممن له حظٌّ من الخطاب يعرِف ذلك الانتفاءَ فيسارع إلى الجواب به والمرادُ به وصفُه سبحانه بغاية سَعةِ الرحمةِ وعمومِ المغفرةِ والجملةُ معترضةٌ بين المعطوفين أو


الصفحة التالية
Icon