١٤٥ - آل عمران
وقيل بارتداده عن الإسلامِ وما ارتد يومئذ أحدٌ من المسلمين إلا ما كان من المنافقين
﴿فَلَن يَضُرَّ الله﴾ بما فعل من الانقلاب
﴿شَيْئاً﴾ أي شيئا من الضرر وإنما يضُرُّ نفسَه بتعريضها للسُخط والعذاب
﴿وَسَيَجْزِى الله الشاكرين﴾ أي الثابتين على دينَ الإسلامِ الذي هو أجلُّ نعمةٍ وأعزُّ معروفٍ سُمّوا بذلك لأن الثباتَ عليه شكرٌ له وعِرفانٌ لحقه وفيه إيماءٌ إلى كُفران المنقلبين ورُوي عن ابن عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما أنَّ المراد بهم الطائعون لله تعالى من المهاجرين والأنصار وعَنْ عليَ رضيَ الله عنه أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم وعنْهُ رضيَ الله عنْهُ أنَّه قال أبو بكر من الشاكرين ومن أحبّاء الله تعالَى وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موقع الإضمار لإبراز مزيدِ الاعتناءِ بشأن جزائِهم
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ﴾ كلامٌ مستأنفٌ سيق للتنبيه على خطئهم فيما فعلوا حذراً من قتلهم وبناءً على الإرجاف بقتلِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ببيانِ أن موتَ كلِّ نفسٍ منوطٌ بمشيئةِ الله عَزَّ وجَلَّ لايكاد يقع بدون تعلقها به وإن خاضت موارد الخوف واقتحمت مضايقَ كلِّ هولٍ مخوف وقد أشير بذلك إلى أنها لم تكن متعلقةً بموتهم في الوقت الذي حذِروه فيه ولذلك لم يُقتلوا حينئذ لا لإحجامهم عن مباشرة القتالِ وكلمة كان ناقصةٌ اسمُها أن تموت وخبرُها الظرفُ على انه متعلق بمحذف وقوله تعالى
﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأسباب أي وما كان الموتُ حاصلاً لنفس من النفوس بسببٍ من الأسبابِ إلا بمشيئه تعالى على أن الإذنَ مَجازٌ منها لكونها من لوازمه أو إلا بإذنه لملك الموتِ في قبض روحِها وسَوْقُ الكلامِ مَساقَ التمثيل بتصوير الموتِ بالنسبة إلى النفوس بصورةِ الأفعالِ الاختياريةِ التي لا يتسنى للفاعل إيقاعُها والإقدامُ عليها بدون إذنِه تعالى أو بتنزيل إقدامِها على مباديه أعني القتالَ منزلةَ الإقدام على نفسه للمبالغة في تحقيق المرامِ فإن موتَها حيث استحال وقوعُه عند إقدامِها عليه أو على مباديه وسعْيِها في إيقاعه فلأَنْ يستحيلَ عند عدمِ ذلك أولى وأظهر وفيه من التحريض على القتال مالا يخفى
﴿كتابا﴾ مصدرٌ مؤكّدٌ لمضمون ما قبله أي كتبه الله كتاباً
﴿مُّؤَجَّلاً﴾ موقتا بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخَّرُ ولو ساعةً وقرئ مُوَجّلاً بالواو بدلَ الهمزةِ على قياس التخفيفِ وبعد تحقيق أن مدار الموتِ والحياةِ محضُ مشيئةِ الله عزَّ وجلَّ من غير أن يكون فيه مدخلٌ لأحد أصلاً أشير إلى أن توفيةَ ثمراتِ الأعمالِ دائرةٌ على إرادتهم ليصْرِفوها عن الأغراض الدنية إلى المطالب السنيةِ فقيل
﴿وَمَن يُرِدِ﴾ أي بعمله
﴿ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ﴾ بنون العظمةِ على طريق الالتفات
﴿منها﴾ أي من ثوابها ما نشاء أن نؤتيَه إياه كما في قوله عز وجل مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ وهو تعريضٌ بمن شغلتهم الغنائمُ يومئذ وقد مر تفصيلُه
﴿وَمَن يُرِدِ﴾ أي بعمله
﴿ثَوَابَ الاخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ أي من ثوابها ما نشاء من الأضعاف حسبما جريَ به الوعدُ الكريمُ
﴿وَسَنَجْزِى الشاكرين﴾ نعمةَ الإسلامِ الثابتين عليه الصارفين لما آتاهُم الله تعالى من القُوى والقدر إلى ما خُلقت هي لأجله من طاعة الله تعالى لا يلويهم