١٦١ - آل عمران
الكريمِ وإن كان نفيَ مغلوبيّتِهم من غيرِ تعرضٍ لنفْي المساواةِ أيضاً وهو الذي يقتضيه المقامُ لكن المفهومَ منه فهماً قطعياً هو نفيُ المساواةِ وإثباتُ الغالبيةِ للمخاطبين فإذا قلتَ لا أكرمُ من فلان أولا أفضلُ منه فالمفهومُ منه حتماً أنه أكرمُ من كل كريم وأفضل من كل فاضلٍ وهذا أمرٌ مطردٌ في جميع اللغات ولا اختصاصَ له بالنفي لصريح بل هو مطردٌ فيما ورد على طريق الاستفهامِ الإنكاريِّ كما في قوله تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً في مواقعَ كثيرةٍ من التنزيل ومما هو نصٌ قاطعٌ فيما ذكرنا ما وقع في سورةِ هودٍ حيث قيل بعده في حقهم لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الأخرة هُمُ الأخسرون فإن كونَهم أخسرَ من كل خاسرٍ يستدعي قطعاً كونَهم أظلمَ منْ كلِّ ظالمٍ
﴿وَإِن يَخْذُلْكُمْ﴾ كما فعل يوم أحد وقرئ يُخذِلْكم من أخذله إذا جعله مخذولاً
﴿فَمَن ذَا الذى يَنصُرُكُم﴾ استفهامٌ إنكاريٌّ مفيدٌ لانتفاء الناصرِ ذاتاً وصفةً بطريق المبالغة
﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أي من بعد خِذلانه تعالى أو من بعدِ الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه
﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ تقديمُ الجار والمجرور على الفعل لإفادة قصرِه عليه تعالى والفاءُ لترتيبه أو ترتيبِ الأمرِ به على ما مر من غلبة المخاطَبين على تقدير نُصرتِه تعالى لهم ومغلوبيّتِهم على تقدير خِذلانِه تعالى إياهم فإن العِلمَ بذلك مما يقتضي قصرَ التوكلِ عليه تعالى لا محالة والمرادُ بالمؤمنين إما الجنسُ والمخاطبون داخلون فيه دخولا أوليا وإما هم خاصةً بطريق الالتفاتِ وأيا ما كان ففيه تشريفٌ لهم بعنوان الإيمانِ اشتراكاً أو استقلالاً وتعليلٌ لتحتم التوكلِ عليه تعالى فإن وصفَ الإيمانِ مما يوجبه قطعاً
﴿وَمَا كَانَ لِنَبِىّ﴾ أي وما صح لنبي من الأنبياء ولا استقام له
﴿أَنْ يَغُلَّ﴾ أي يخونَ في المغنم فإن النبوةَ تنافيه منافاةً بيِّنة يقال غَلَّ شيئاً من المغنم يغُل غلولاً وأَغل إغلالاً إذا أخذه خُفْيةً والمرادُ إما تنزيهُ ساحةِ رسولِ الله ﷺ عما ظن به الرماةُ يومَ أحُدٍ حين تركوا المركزَ وأفاضوا في الغنيمة وقالوا نخشى أن يقولَ رسول الله ﷺ من أخذ شيئاً فهو له ولا يقسِمَ الغنائمَ كما لم يقسمْها يوم بدرٍ فقال لهم النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلم ألم أعهَدْ إليكم أن لا تترُكوا المركزَ حتى يأتيَكم أمري فقالوا تركنا بقيةَ إخوانِنا وقوفاً فقال عليه السلام بل ظننتم أنا نغُلّ ولا نقسِمُ بينكم وإما المبالغةُ في النهي لرسول الله ﷺ على ما رُوي أنه بعث طلائِعَ فغنِم النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلم بعدهم غنائِمَ فقسمها بين الحاضر ولم يترك للطلائع شيئاً فنزلت والمعنى ما كان لنبي أن يعطيَ قوماً من العسكر ويمنَعَ آخَرين بل عليه أن يقسِمَ بين الكلِّ بالسوية وعُبّر عن حِرمان بعضِ الغزاةِ بالغُلول تغليظاً وأما ما قيل من أن المراد تنزيهُه عليه السلام عما تفوَّه به بعضُ المنافقين إذ رُوي أن قَطيفةً حمراءَ فقدت يوم بدر فقال بعضُ المنافقين لعل رسول الله ﷺ أخذها فبعيد جدا وقرئ على البناءِ للمفعولِ والمعنى ما كان له أن يوجَدَ غالاًّ أو يُنسَبَ إلى الغُلول
﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة﴾ يأتِ بالذي غله بعينه يحمِلُه على عنُقه كما ورد في الحديث الشريف وروي أنه عليه السلام قال ألالا أعْرِفَنَّ أحدَكُم يأتي ببعير له رُغاءٌ وببقرةٍ لها خوار وبشارة لها ثُغاءٌ فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملِك لَكَ مِنَ الله شيئاً فقد بلّغتُك أو يأت