١٧٥ - ١٧٦ آل عمران
بالتثبيت وزيادةِ الإيمانِ والتوفيقِ للمبادرة إلى الجهاد والتصلبِ في الدين وإظهارِ الجراءةِ على العدو وحفِظَهم عن كل ما يسوءهم مع إصابة النفعِ الجليلِ وفيه تحسيرٌ لمن تخلّف عنهم وإظهارٌ لخطأ رأيِهم حيث حرَموا أنفسَهم ما فاز به هؤلاء وروى أنهم قالوا هل يكون هذا غزواً فأعطاهم الله تعالى ثوابَ الغزوِ ورضي عنهم
﴿إِنَّمَا ذلكم﴾ إشارةٌ إلى المثبَّط أو إلى مَنْ حمله على التثبيط والخطابُ للمؤمنين وهو مبتدأُ وقولُه تعالى
﴿الشيطان﴾ إما خبرُه وقوله تعالى
﴿يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ مبيِّنة لشيطنته أو حالٌ كما في قوله تعالى فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً الخ وإما صفتُه والجملةُ خبرُه ويجوز أن تكون الإشارةُ إلى قوله على تقديرِ مضافٍ أي إنما ذلكم قولُ الشيطانِ أي إبليسَ والمستكنُّ في يخوف إما المقدار وإما الشيطان بحذف الراجعِ إلى المقدر أي يخوِّف به والمرادُ بأوليائه إما أبو سفيان وأصحابُه فالمفعولُ الأولُ محذوفٌ أي يخوفكم أولياءَه كما هو قراءةُ ابنِ عباس وابنِ مسعودٍ ويؤيِّده قولُه تعالى
﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ﴾ أي أولياءَه
﴿وَخَافُونِ﴾ في مخالفة أمري وإما القاعدون فالمفعولُ الثاني محذوفٌ أي يخوفهم الخروجَ مع رسول الله ﷺ والضميرُ البارزُ في فَلاَ تَخَافُوهُمْ للناس الثاني أي فلا تخافوهم فتقعُدوا عن لاقتال وتجنبوا وخافوني فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى ما يأمُركم به والخطابُ لفريقَي الخارجين والقاعدين والفاءُ لترتيب النهي أو الانتهاء على ماقبلها فغن كونَ المَخوفِ شيطاناً مما يوجب عدمَ الخوفِ والنهي عنه
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فإنَّ الإيمانَ يقتضي إيثارَ خوفِ الله تعالى على خوف غيرِه ويستدعي الأمنَ من شر الشيطانِ وأوليائِه
﴿وَلاَ يَحْزُنكَ﴾ تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى رسول الله ﷺ لتشريفه بتخصيصه بالتسلية والإيذانِ بأصالته في تدبير أمورِ الدين والاهتمام بشئونه
﴿الذين يسارعون فى الكفر﴾ أي يقعون فيه سريعاً لغاية حرصِهم عليه وشدةِ رَغبتِهم فيه وإيثارُ كلمةِ فِى على ما وقع في قولِه تعالى وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ الآية للإشعار باستقرارهم في الكفر ودوام ملابستهم له في مبدأ المسارعة ومنتهاها كما في قوله تعالى أُوْلَئِكَ يسارعون فِى الخيرات فإن ذلك مؤذِنٌ بملابستهم للخيرات وتقلّبِهم في فنونها في طرفي المسارعةِ وتضاعيفِها وأما إيثار كلمة إلى في قوله تعالى وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ الخ فلأن المغفرةَ والجنةَ منتهى المسارعةِ وغايتُها والمرادُ بالموصول المنافقون من المتخلفين وطائفةٌ من اليهود حسبما عُيِّن في قوله تعالى ﴿يا أيها الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِى الكفر مِنَ الذين قالوا آمنا بأفواههم وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الذين هِادُواْ﴾ وقيل قوم ارتدوا عن الإسلام والتعبيرُ عنهم بذلك للإشارة بما في حيِّزِ الصلة إلى مَظِنة وجودِ المنهيِّ عنه واعترائِه لرسول الله ﷺ أي لا يَحْزُنوك بمسارعتهم في الكفر ومبادرتِهم إلى تمشية أحكامِه ومُظاهرتِهم لأهله وتوجيهُ النهي إلى جهتهم مع ان المقصود نهيهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن التأثر منهم للمبالغة في ذلك لما أن


الصفحة التالية
Icon