٥٧ - ٥٨ النساء لبيان أن إحساسَهم بالعذاب في كل مرةٍ كإحساس الذائقِ بالمذوق من حيثُ إنَّه لا يدخُله نقصانٌ لدوام الملابَسةِ إو للإشعار بمرارة العذابِ مع إيلامه أو للتنبيه على شدة تأثيرِه من حيث إن القوةَ الذائقة أشد الحواس تأثيرا أو على سِرايته للباطن ولعل السرَّ في تبديل الجلودِ مع قدرتِه تعالى على إبقاء إدراكِ العذابِ وذوقِه بحاله مع الاحتراق ومع إبقاء أبدانِهم على حالها مَصونةً عن الاحتراق أن النفسَ ربما تتوهّم زوالَ الإدراكِ بالاحتراق ولا تستبعد كلَّ الاستبعادِ أن تكون مصونةً عن التألم والعذابِ بصيانة بدنِها عن الاحتراق
﴿إِنَّ الله كَانَ عَزِيزاً﴾ لا يمتنع عليه ما يريده ولا يمانعه أحدٌ
﴿حَكِيماً﴾ يعاقِب مَنْ يعاقبه على وَفق حكمتِه والجملةُ تعليلٌ لما قبلها من الإصلاء والتبديلِ وإظهارُ الاسمِ الجليلِ بطريق الالتفاتِ لتهويل الأمرِ وتربية المهابةِ وتعليلِ الحكم فإن عنوانَ الألوهيةِ مناطٌ لجميع صفاتِ كمالِه تعالى
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ عُقِّب بيانُ سوء حال الكفرة بيان ببيان حُسنِ حالِ المؤمنين تكميلاً لِمَساءة الأولين ومسرَّةِ الآخَرين أي الذين آمنوا بآياتنا وعمِلوا بمقتضياتها وهو مبتدأٌ خبرُهُ قولُه تعالى
﴿سَنُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ وقرئ سيُدخِلُهم بالياء رداً على الاسم الجليلِ وفي السين تأكيدٌ للوعد
﴿خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ حالٌ مقدّرةٌ من الضميرِ المنصوبِ في سندخلهم وقوله عز وعلا
﴿لَّهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ﴾ أي مما في نساء الدنيا من الأحوال المستقذَرةِ البدنية والأدناسِ الطبيعية في محل النصب على أنه حال من جناتٍ أو حالٌ ثانيةٌ من الضمير المنصوبِ أو على أنه صفةٌ لجناتٍ بعد صفةٍ أو في محلِ الرفعِ على أنه خبرٌ للموصول بعد خبرٍ
﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً﴾ أي فيْناناً لا جَوْبَ فيه دائماً لا تنسَخُه شمسٌ اللهم ارزُقنا ذلك بفضلك وكرمِك يا أرحمَ الراحمين والظليلُ صفةٌ مشتقةٌ من لفظ الظلِّ للتأكيد كما في ليلٌ ألْيلُ ويوم أيوم وقرئ يُدخلهم بالياء وهو عطفٌ على سيُدخِلهم لا على أنه غيرُ الإدخالِ الأولِ بالذات بل بالعنوان كما في قوله تعالى ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾
﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا﴾ في تصدير الكلامِ بكلمة التحقيقِ وإظهارِ الاسمِ الجليلِ وإيرادِ الأمرِ على صورة الإخبارِ من الفخامة وتأكيدِ وجوبِ الامتثالِ به والدِلالةِ على الاعتناء بشأنه ما لا مزيدَ عليه وهو خطابٌ يعُمّ حكمُه المكلفين قاطبة كما أن الأماناتِ تعمُّ جميعَ الحقوقِ المتعلقةِ بذمهم من حقوق الله تعالى وحقوقِ العبادِ سواءٌ كانت فعليةً أو قوليةً إو اعتقاديةً وإن ورد في شأن عثمانَ بنِ طلحة ابن عبدِ الدارِ سادنِ الكعبةِ المعظمةِ وذلكَ أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ حين دخل مكةَ يوم الفتح أغلق عثمانُ رضيَ الله عنْهُ بابَ الكعبةِ وصعِدَ السطحَ وأبى أن يدفعَ المِفتاحَ إليه وقال لو علمت أنه رسولُ الله لم