٦٥ - النساء بالاعتذار الباطل والإيمان الفاجر
﴿فاستغفروا الله﴾ بالتوبة والإخلاصِ وبالغوا في التضرُّع إليك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله تعالى واستغفرْتَ لهم وإنما قيل
﴿واستغفر لَهُمُ الرسول﴾ على طريقة لالتفات تفخيماً لشأن رسولِ الله ﷺ وتعظيماً لاستغفاره وتنبيهاً على أن شفاعتَه في حيِّز القَبول
﴿لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ لعَلِموه مبالغاً في القبول توبتهم والتفضّل عليهم بالرحمة وإن فُسّر الوُجدانُ بالمصادفة كان قوله تعالى تَواباً حالا ورحيما بدل منه أو حالاً من الضمير فيه وأيا ما كان ففيه فضلُ ترغيبٍ للسامعين في المسارعة إلى التوبة والاستغفارِ ومزيدُ تنديمٍ لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهورَ تباشيرِ قَبولِ التوبةِ وحصولَ الرحمةِ لهم ومشاهدتَهم لآثارهما نعمةٌ زائدةٌ عليهما موجبةٌ لكمال الرغبة في تحصليها وتمامِ الحسرةِ على فواتها
﴿فَلاَ وَرَبّكَ﴾ أي فوربِّك ولا مزيدةٌ لتأكيد معنى القَسَمِ لا لتأكيد النفيِ في جوابه أعني قولَه ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لأنها تزادُ في الإثبات أيضاً كَما في قولِه تَعَالَى ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم﴾ ونظائرِه
﴿حتى يُحَكّمُوكَ﴾ أي يتحاكموا إليك ويترافعوا إليك وإنما جئ بصيغة التحكيمِ مع أنه ﷺ حاكمٌ بأمر الله سبحانه إيذاناً بأن حقَّهم أن يجعلوه حَكَماً فيما بينهم ويرْضَوا بحكمه وإن قُطع النظرُ عن كونه حاكماً على الإطلاق
﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ أي فيما اختَلف بينهم من الأمور واختَلط ومنه الشجرُ لتداخُل أغصانه
﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ﴾ عطفٌ على مقدَّر ينساقُ إليهِ الكلامُ أي فتقضي بينهم ثم لا يجدوا
﴿فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً﴾ ضِيقاً
﴿مّمَّا قَضَيْتَ﴾ أي مما قضيت به أو من قضائك وقيل شكاً من أجله إذا الشاكُّ في ضيق من أمره
﴿وَيُسَلّمُواْ﴾ أي ينقادوا لأمرك ويُذعِنوا له
﴿تَسْلِيماً﴾ تأكيدٌ للفعل بمنزلة تكريرِه أي تسليماً تاماً بظاهرهم وباطنِهم يقال سَلَّم لأمرِ الله وأسلم له بمعنىً وحقيقتُه سلّم نفسَه له إذا جعلها سالمةً له خالصةً أي ينقادوا لحكمك انقياداً لا شُبهةَ فيه بظاهرهم وباطنهم وقيل نزلت في شأن المنافق واليهودى وقيل في شأن الزبيرِ ورجلٍ من الأنصار حين اختصما إلى رسولِ الله ﷺ في شِراجٍ من الحرة كانا يسقيان بها النخلَ فقال ﷺ اسقِ يا زبيرُ ثم أرسلِ الماءَ إلى جارك فغضب الأنصارى وقال لأن كان ابنَ عمتِك فتغير وجهُ رسولِ الله ثم قال اسقِ يا زبيرُ ثم احبِس الماءَ حتى يرجِعَ إلى الجُدُر واستوفِ حقّك ثم أرسلْه إلى جارك كان قد أشار على الزبير برأي فيه سعةٌ له ولخصمه فلما أحفظ رسول الله ﷺ مستوعب للزبير حقَّه في صريح الحُكم ثم خرجا فمرّا على المقدار بن السود فقال لمن القضاءُ فقال الأنصاريُّ قضى لابن عمتِه ولوى شِدْقَه ففطِن يهوديٌّ كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاءِ يشهدون أنه رسولُ الله ثم يتّهمونه في قضاء يقضي بينهم وايمُ الله لقد أذنبنا ذنباً مرة في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال اقتُلوا أنفسَكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربِّنا حتى رضيَ عنا فقال ثابتُ بنُ قَيْسِ بنِ شماس أما والله إن الله ليعلم مني الصدقَ لو أمرني محمدٌ أن أقتُلَ نفسي لقتلتُها وروي أنه قال ذلك ثابتٌ وابنُ مسعودٍ وعمارُ بن ياسر


الصفحة التالية
Icon